منوعات

إرتفاع غير مسبوق في الولايات السودانية منذ اندلاع الحرب..الزواج في زمن الحرب..معركة الثبات على الفرح

حالات زواج في مخيمات الإيواء والنزوح ومناطق الاشتباكات

شهدت بورتسودان ما لا يقل عن 3 آلاف زيجة في المتوسط منذ اندلاع الحرب

انخفاض تكاليف الزواج ..والسودانيون يرفعون شعار “ياتو رصاص ومسيرات البتمنعنا العديل والزين”

المتزوجون حديثا ً يقولون :صوت الحب يعلو فوق صوت السلاح

تقرير :رحمة عبدالمنعم

تزداد وطأة معاناة السودانيين بسبب الحرب ،التي جعلت رغيفة الخبز وحدها حلماً ،وعلى رغم من ذلك لم تختف مشاهد الأعراس ،حيث شهدت ولايات السودان ارتفاع غير مسبوق في معدلات الزواج منذ اندلاع الحرب ، ووسط شلال الصور المأساوية تنجح بعض اللقطات المبهجة في أن تجد لها مكانا ً داخل المشهد ،ورغم الظلمة التي يعيشها السودانيين يبقى في نهاية النفق “ضوء أبيض ” ينبئ بفرحة ورغبة تؤكد الحق في الحياة وتشير إلى معركة الثبات على الفرح

معدلات الزواج
وكشفت مصادر موثوقة بالسلطة القضائية في السودان لموقع “العربية.نت” عن ارتفاع غير مسبوق في معدلات الزواج في جميع أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب، وذلك بناءً على إحصائيات المحاكم الشرعية المسؤولة عن إصدار قسائم الزواج وتسليمها للمأذونين الشرعيين. وأفادت هذه المصادر أن مدينة بورتسودان، التي أصبحت العاصمة المؤقتة، شهدت ما لا يقل عن 3 آلاف زيجة في المتوسط منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي.
وفي استطلاع مع عدد من المأذونين الشرعيين في ولايات مختلفة، أكد الجميع وجود زيادة كبيرة في معدلات الزواج. وأشار أحد المأذونين الشرعيين إلى أنه شخصياً عقد 400 زيجة في مدينة بورتسودان خلال شهر واحد فقط.
وعزى المأذونون هذه الزيادة إلى عدة أسباب، أبرزها خفض تكاليف الزواج. بالإضافة إلى ذلك، رأى الشباب، الذين كانوا يعانون من الشروط التعجيزية للأهل في الزواج بالسودان، في الحرب فرصة للهروب من تلك الشروط وإتمام مراسم الزواج بتكاليف أقل.
وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات لأزواج من جميع انحاء السودان يحتفلون على طريقتهم في المناطق الآمنة و مدن الاشتباكات ، كما وثقت منصات التواصل الإجتماعي حالات زواج عدة في مخيمات الإيواء والنزوح

انخفاض التكاليف
في القضارف قررت تيسير أحمد، وشريك حياتها عادل عبدالله ، إقامة حفل زفافهما بطريقة بسيطة تقتصر على حضور أفراد عائلتيهما والأصدقاء المقربين فقط من أجل توفير التكاليف غير الضرورية.
وتقول تيسير” للكرامة ” “قد يستغرب الكثيرون من الإقبال على الزواج في ظل الحرب الدائرة، ولكن هذه الحرب جعلتنا نفكر في أهمية استمرار الحياة، لذا قررت أنا وخطيبي إقامة حفل زفافنا بشكل بسيط والاستغناء عن العديد من احتياجات الزواج”.
ويرى العديد من الشباب في السودان أن الوضع الراهن في البلاد وفر تسهيلات كبيرة لهم، حيث يتم الاكتفاء ببعض الاحتياجات الضرورية لإقامة حفل الزواج والاستغناء عن بقية التكاليف التي كانت تشكل عائقا يمنعهم من الزواج. ويشعر زوج تيسير بالارتياح للزواج في الأوضاع الراهنة، حيث تم تخفيض المهر والحد من متطلبات حفل الزفاف، ويقول “الحرب جعلتنا نفكر بشكل منطقي وواقعي، حيث أعددنا قائمة بالاحتياجات الأساسية فقط ونحن نعيش الآن في سعادة ورضى، ولو تزوجت في غير هذه الأوضاع لكنت الآن مثقلا بالديون بسبب متطلبات الزواج الاعتيادية”. ويدعو عادل الشباب إلى استغلال “ميزة” الظروف الراهنة في ظل الحرب التي يشهدها السودان ، والتفكير بجدية في الزواج لا الخوف منه
ويضيف “تمر البلاد حاليا بظروف صعبة، وهذا ينعكس على الأسر التي لا أعتقد أنها ستمانع من تزويج الشباب بأقل التكاليف، لذا يجب على الشباب استغلال أوضاع الحرب”.ومن بين المظاهر الجديدة التي طرأت على حفلات الزفاف إقامتها في المنازل من أجل توفير تكاليف قاعات الأفراح.
يقول كرم الله حسن مزراع أقام حفل زفافه في المنزل “مررت بحالة نفسية جراء الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة، ولم أكن أفكر في الزواج مطلقا، إلا أني قررت بعد ذلك اجتياز كل المصاعب والزواج بأقل التكاليف لأن الحياة يجب أن تستمر ولا ينبغي علينا دفن أنفسنا أحياء”.
وبالرغم من أن زفاف كرم الله كان بسيطا جدا، إلا أن فرحته وفرحة أسرته كانتا كبيرتين، حسب قوله.
وفي إطار السعي إلى تخفيض تكاليف الزواج إلى أقصى حد ممكن، لجأ الشباب أيضا إلى إقامة حفلات زفاف بسيطة يتشارك فيها أهل العرسان مصاريف الزواج في ما بينهم.

أعراس النزوح
تتنوع قصص عرسان النزوح الذين فروا من مناطقهم المشتعلة إلى مخيمات النازحين بالولايات الآمنة ،في محاولة للإبتعاد عن المعارك الدائر على قدم وساق ،من بينهم اشراقة سليمان ومحمد عبدالحي اللذان تزوجا في منزل أحد اقاربهما في مدينة عطبرة بعد عام من خطبتهما ، ومثلهما ايضاً عروسان اخران تزوجا في مخيم بمدينة كوستي ،بعد ان فقدا الأمل في إقامة زواجهما نظرا ً إلى أن الأوضاع في رايهما لن تتحسن قريباً وبالتالي اتخذا القرار وتزوجا بإحدى المدارس التي تشرف وتعتني بها منظمات طوعية
تحدث العريس عثمان عبدالرحمن عن الألم الكبير الذي أصابهم نتيجة نزوحهم من منزلهم ،بالإضافة لارتقاء عدد من الشهداء من أسرته وأسرة العروس إلا انهم تمسكوا بالزواج في مدينة كوستي ،وتابع قائلاً ” زفني النازحين واجبروني أن أبتسم وأفرح ،لان السودان لايكسره حزن أو ألم ” بحسب تعبيره
العروس هند حامد وهي ابنة عم عثمان،تحدثت عن تفاصيل الزواج في مدرسة إيواء للنازحين في كوستي ،مؤكدة أنها كانت تحلم بالزواج مثل اي فتاة ولم تتخيل ابدا ان تتزوج في مدرسة للإيواء،مضيفة في نبرة حزن “المليشيات كسرت فرحتي ولم احقق حلمي بالزواج مثل أي فتاة ”

زواج الحرب
ففي ولاية الجزيرة، لم تمنع الانتهاكات البشعة للمليشيا والأوضاع الصعبة الشباب من الإقبال على الزواج، حيث يقول محمد أحمد من ابناء قرية فضل بمحلية الكاملين ، إنه قرر أن يتزوج هرباً من الواقع المرير المتمثل في الخراب والدمار والدماء،حتى يشعر بالأمان النفسي ويحتمي في شخص قريب منه وجدانيا ً ”
ويضيف للكرامة : اخترت ان اتزوج من القرية ،وارتبطت بإحدى قريباتي واكملت مراسم زواجي منها قبل اسبوعين،موضحاً أن العرس كان عاديا ً وبسيطا ،وقد جرت مراسم الزواج، الذي قدمت فيه فقرات فنية وسط أجواء من الفرحة والسرور ،بحضور عشرات المدعوين من أهالي القرية والقرى المجاورة
بدورها، أكدت الناشطة الإجتماعية عبير يس، أن اهل الجزيرة متمسكون بالحياة وثابتون على أرضهم يواجهون بطش المليشيات بمزيد من العديل والزين، ويفرحون في زمن عز فيه الفرح، موضحة أنها رصدت 10 حالات زواج فى مدينة الكاملين خلال شهر واحد ، وهو ما يفسر رسالة السودانيين بأنهم رغم الحرب والخراب يصرون الثبات على الفرح ، ليعلو صوت الحب فوق صوت السلاح
وأشارت إلى أن بعض حكايات وقصص «الحب والحرب»تحمل طابع الحزن والأسى والانكسار، إلا أنه ورغم الظلمة التى يعيشها اهل ولاية الجزيرة يبقى فى نهاية النفق «ضوء أبيض» ينبئ بفرحة ورغبة تؤكد الحق في الحياة والإستمرار على الأرض

النسيج الإجتماعي
وترى الباحثة الإجتماعية امال علي ، أن تقليل تكاليف الزواج أمر جيد، لاسيما في ظل ارتفاع مستوى البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب الحرب الدائرة
وتفيد امال، بأن تخفيض ثمن المهر ومتطلبات الزواج ضروريان في ظل الحرب الراهنة في السودان، ويساعد ذلك أيضا في الحد من نسبة العنوسة المنتشرة، خصوصا في أوساط النساء
وتضيف” للكرامة” “ازداد عدد الأرامل والمطلقات والفتيات دون زواج، هذا الشيء خطير ويحدث شرخا في النسيج الاجتماعي وصعوبة العيش الكريم”. وترى امال أن الحرب ساعدت في الحد من مظاهر البذخ التي كانت تشهدها حفلات الزفاف، ويمثل ذلك نقطة إيجابية في بلد يعاني مثل السودان
يقول أحمد خالد سائق أجرة في مدينة شندي : “كيف سأجمع تكاليف الزواج وإن كانت بسيطة في هذا الوضع، فأنا لا أستطيع في بعض الأيام توفير دخل يوم واحد، فكيف بتوفير تكاليف زواج وبناء حياة جديدة”.
ويرى خالد أن نفقات ما بعد الزواج تعتبر مشكلة أكبر، لا سيما في الوقت الراهن، حيث فقد العديد من موظفي القطاع الخاص وظائفهم جراء توقف الشركات والمؤسسات التي كانوا يعملون لديها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *