i.imam@outlook.com
لم يدرِ البروفسور محمد حسن دهب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وهو في مأمنه في جدة بالسعودية من تداعيات الحرب وأهوالها، مدفوعاً من عثمان حُسين رئيس الوزراء المكلف، بإصدار قرار غير مدروس، ولم يتوافق عليه المجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي – كفاحاً أو إلكترونياً – بشأن تعطيل الدراسة والأنشطة الأكاديمية في جميع مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والأهلية! لم يكتفِ نص القرار على هذا، بل اشترط في ذاكم القرار عدم فتح الجامعات إلى موعد يُحدد لاحقاً! كان ذاكم الفرمان الذي نزل على عشرات الآلاف من طلاب الجامعات وأولياء أمورهم كالصاعقة من هول تداعياته على مستقبل أبنائهم وبناتهم الذي وضعته الوزارة في غياهب المجهول، في الخامس عشر من أغسطس (آب) 2023، ولكن وقتها أُم الجامعات، جامعة الخرطوم، أصدر مجلس عمدائها قراراً يُعلن استمرار الجامعة في عقد امتحاناتها في المراكز المحددة داخل السودان وخارجه، وقبلها كانت روح الجامعات، جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، قد أعلنت في غير غموضٍ أو لبسٍ أنها مستمرة في تدريسها لطلابها وعقد امتحاناتهم، وكلاتهما استأنفتا القرار بحيثيات قدمتاها كل على حِدا، إلى جهات الاختصاص في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وجاءهما الرد بالموافقة المشروطة أي السماح لهما بعقد الامتحانات في فترة محددة. فالقرار الفطير، ما أسرع إلحاقه بالإستثناءات، لأنه لا يقوم على حيثيات قوية، ولا حجج ساطعة، بل هو ضعيف السيقان، وواهي البرهان، لا يصمد أمام ريح صرصر عاتية، تمثلها جامعتا الخرطوم والعلوم الطبية والتكنولوجيا، فالذي يُناطحهما كأنه يُناطح جلمود صخر حطه السيل من علٍّ!
غفل وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومن قبله غفل رئيس وزراء الغفلة الذي جاء مصادفة، ويحمل بعض ود قديم لجماعة الغفلة والمصادفة والمفاجأة – والمعنى واضح كما يقول أستاذي الراحل البروفسور الجهبيذ عبد الله الطيب – تنزلت عليه شآبيب رحمات الله الواسعات – وفي ذاكم الرئيس المخلوع، شئ من الضغن والمضاغنة، مثل صحبه الجهاليل، وإلا ما الذي يجعله يحشر نفسه في ما لا يعنيه! وإن كان العيب أنكأ في الوزير الذي أصدر القرار وهو في المهاجر، لكي لا يلقي بيديه إلى التهلكة!
وأحسبُ أن الوزير الهمام نسي أو تناسى أن يُذكر رئيس وزراء الغفلة، قبل إصداره لقراره بشأن تعطيل الجامعات، التي سعت جاهدة إلى توفير الدراسة – لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً – أن الجامعات لها خبرة تراكمية في تدريس طلابها عبر التعليم الإلكتروني (Online) طوال زمن الكرونا، ولم تغفل في تدريسها ذاكم الجانب العملي في الكليات العلمية، لا سيما الطب وطب الأسنان والمختبرات الطبية والهندسيات بتخصصاتها المختلفة، ودفعت مبالغ طائلة، حتى أنها استقطعت بعضاً من سنامها، لتغطية كُلفة تلكم التدريبات الإكلينيكية والعملية. وأن بعضها عمِل جاهداً في توفيق أوضاعها سواء داخل السودان أو خارجه أو في كليهما! وتكبدت إداراتها في سبيل ذاكم الأَمرين – مالاً وأساتذةً – من أجل مواصلة المسيرة التعليمية، وهي تعلم علم اليقين أن الحرب مهما كانت قساوتها، ومخاطر تداعياتها، لن تعطل التعليم، ولن تغلق المشافي والمراكز الصحية. فالحروب مهما كانت أهوالها ومصائبها لا توقف الحياة، فمن أبسط مظاهر الحياة التعليم والصحة، فلا غروّ أن كانت تسير جنباً إلى جنب! فالحربان العالميتان وحروب العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان وروندا وبورندي وإثيوبيا وإريتريا، لم تعطل المدارس والجامعات! والأدهى من ذلك، أنه وسط الحرب تتم اتفاقيات لحماية أماكن محددة من التعرض لها أثناء القصف الجوي والبري، مثل كتدرائية كولون بألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وهي تُحفة معمارية، حُظيتُ بزيارتها. فعلى هذه الجامعات أن تسعى إلى تسهيل مساراتها الأكاديمية مع الحفاظ على حياة طلابها وأساتذتها.
وفي رأيي الخاص، قرار البروفسور محمد حسن دهب وزير التعليم العالي والبحث العلمي والذي بدأ يتداوله بعض أهل التعليم العالي في السودان والمهاجر والمنافي، بشأن عدم توثيق شهادات الطلاب الذين جامعاتهم، فكرت إداراتها خارج الصندوق، ويسرت لهم الدراسة في أماكن آمنة سواء كانت داخل السودان أو خارجه أو في كليهما، كما فعلت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا مع طلابها، مما يعني أن هناك أمر دُبر بليل، لإحداث ضرر أو أضرار لبعض الجامعات أو جامعة بعينها!
وبرؤية ثاقبة، وتبني سياسة “التفكير خارج الصندوق” اتجه الأخ البروفسور مأمون حُميدة رئيس مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية إلى أفريقيا في تنزانيا وروندا – تدريساً وتدريباً عملياً – لكلية الطب وطب الأسنان وزنجبار لكلية الحاسوب، بالتعاون مع الجامعات هناك، ولكن هذا لا يعنى أنه لم يتجه إلى البلدان العربية، فقد أنشأ لجامعته مراكز تنسيقية للامتحانات وغيرها في واد مدني والقاهرة والرياض ودبي، ولم يكتفِ بتعيين مشرفين لها، بل تراه في تسفار مستمر بين هذه المدن. وأقام علائق وثيقة مع جامعات تلكم البلدان سواء الحكومية منها أو الخاص. وكانت الجامعة واضحة في ما يتعلق باستئنافها للدراسة، أنها اختيارية للطلاب الراغبين والذين لا يرغبون في الدراسة أن أماكنهم محفوظة إلى حين استقرار البلاد أي أنهم لن يتضرروا من مواصلة زملائهم زميلاتهم سوى أن هؤلاء يستخرجون قبلهم.
أخلص إلى أن هذا القرار فيه قدر عظيم من الإجحاف للجامعات السودانية الحكومية والخاصة، والعمل على إفقارها، لأنه يدعو القادرين مالياً إلى هجر تلكم الجامعات والتوجه إلى الجامعات العربية والأجنبية. أليس هذا ضرر وضرار للجامعات التي مسؤولة عنها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟! فكان من باب أولى أن تشجع الوزارة الجامعة التي قهرت ظروف الحرب وتداعياتها وواصلت الدراسة لطلابها في ولايات السودان الآمنة من آثار الحرب وأهوالها أو خارج السودان أو انتظم طلابها في الدراسة عبر التعليم الإلكتروني (Online). والغريب أن الوزير في مجالسه الخاصة، أشاد بخطوة البروفسور مأمون حُميدة في مواصلة دراسة جامعته خارج السودان، والأغرب من ذلكم، نما إلى علمي من مصدر أسري للوزير أن ابنته الطالبة في كلية الطب بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، أثناء كتابتي لهذه العُجالة اليوم (الأربعاء) ستسافر إلى تنزانيا للحاق بطلاب دفعتها هناك!
وليعلم الأخ الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، أن معظم وزرائه ممن تم تعيينهم قبل التكليف الوزاري الحالي من الحرية والتغيير المركزي أو الذين ما زال البراء والولاء عندهم لبني قحت! فلذلك يصدرون مثل هذه القرارات الشنعاء وغيرها من القرارات الرعناء التي يُضيق منها الشعب ضيقاً مبرماً، وينتظرون منك تعجيل تقدير الموقف على الطريقة العسكرية!