المقالات

مصر .. بين رغبات الأشقاء ومتطلبات الأمن القومي.! محمد الصديق

من حسنات الحرب الحالية أنها كشفت عن معادن الناس ، بل ومعادن الدول والشعوب، ووضحت للقاصي والداني من هو الصديق الحقيقي ومن هو صديق النعماء الذي يقلب لك ظهر المجن عند حلول الضراء .
ولذا اعتقد أننا جميعا سنعمد لمراجعة قوائم الاصدقاء والاقارب لنعرف من الذي غيرته الحرب ومن لم تغيره عاديات الايام ومن لم تزده المحن إلا صلابة، كما أن بلادنا مطالبة بمراجعة سجل علاقاتها مع الدول لتعرف من يستحق لقب دولة شقيقة ومن لايستحق.
وبجرد حساب سريع وبغض النظر عما يدور في بعض الوسائط من إشكالات تعرض لها الكثير من المتضررين من الحرب، تظل مصر على رأس الدول التى تحركت بسرعة لتخفيف حدة معاناة السودانيين، واستقبلت الآلاف من النازحين الذين تتم معاملتهم معاملة المواطنين المصريين في كل الخدمات حتى المدعوم منها، وفتحت مصر حدودها منذ بداية الأزمة فدخل عشرات بل مئات الآلاف بدون تأشيرة وبوثائق اضطرارية لمن فقدوا جوازاتهم حتى ظهرت حالات الغش والتزوير والتي اضطرت السلطات المصرية بعدها لإيقاف التأشيرات لكل الفئات التي كانت مستثناة من التأشيرة وإيقاف الوثائق الاضطرارية والتمديد اليدوي على الجواز وارفاق الاطفال.
نعم حدثت كثير من الحالات الإنسانية على المعابر في الحدود بين البلدين، وحدثت كثير من الإشكالات منها الدخول إلى مصر عبر التهريب وتزوير التأشيرات والموافقات الأمنية، وكان هناك تعسف من السلطات المصرية والسودانية في المعابر تأثر به عدد من المواطنيين السودانيين والمصريين العابرين، والدليل هو وجود سلسلة طولها ٣٥ كلم من الشاحنات داخل الأراضي المصرية تنتظر دخول الأراضي السودانية، ومات أكثر من عشرة من سائقي هذه الشاحنات على الطريق في انتظار الاذن بالدخول، لكن كل هذا لن يزحزح القناعة بازلية وعمق العلاقات السودانية المصرية.
يجب الاعتراف بأن هناك جهد مشكور ومقدر تقوم به كل من القنصلية المصرية في بورسودان وحلفا في تسهيل دخول السودانيين إلى مصر، بجانب جهود السفير المصري والقنصل العام والطواقم الدبلوماسية والإدارية العاملة في السودان، لكن العدد الهائل من الراغبين في الحصول على التأشيرة ومحدودية الأجهزة والموظفين داخل القنصليتين وأمور لوجستية، وأخرى متعلقة بالأمن القومي المصري تحول دون سرعة الحصول على التأشيرة .. وعلينا أن نعترف أن حالة السيولة الأمنية في البلاد وخروج آلاف السجناء ،ووجود مرتزقة بالالاف داخل البلاد من دول الجوار يجعل أي دولة تفكر ألف مرة في فتح حدودها أمام السودانيين في ظل هذا الوضع الماثل، لذا علينا أن نلتمس العذر لمصر وأهلها فيما يحدث، في ظل الإشكالات الاقتصادية التي تعاني منها مصر منذ فترة.
ما يحدث من هنات هنا وهناك لم يمنع الأشقاء في مصر من مواصلة جهدهم في التواصل والتنسيق مع الحكومة السودانية و الأطراف الإقليمية الدولية كافة، وكذلك داخل أروقة الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية، للتعجيل بإيجاد حلول للأزمة السودانية بالتركيز على جوانبها الإنسانية، والتوصل الى قرارات يوافق عليها السودانيون كلهم، لإنقاذ السودان هذا البلد الغالى والعزيز على قلب كل مصري.
فى هذا السياق جاءت مشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام فى اجتماع وزراء خارجية دول جوار السودان، الذى عقد فى إنجامينا عاصمة تشاد، و الذى أتى بدوره استكمالا لقمة رؤساء الدول المجاورة للسودان فى القاهرة فى يوليو الماضي، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونتوقع أن تبدأ ثمرات هذا الاجتماع في الظهور بوصول المساعدات الإنسانية للمواطنين السودانيين داخل السودان، والذين يعانون أشد المعاناة خاصة في العاصمة والمناطق المجاورة وكردفان ودارفور.
وقد دعت مصر كذلك لإنشاء مستودعات لتخزين الغذاء فى الدول المجاورة للسودان، ثم نقلها إلى الداخل السوداني، وأيضا فتح الممرات الإنسانية التى تسهل عملية انتقال الأفراد المحاصرين فى مناطق العمليات العسكرية، وهذه إجراءات مرحب بها في ظل الوضع الإنساني المتأزم، لكن مع رقابة صارمة تحول دون استغلالها في نشاط مضر بالسودان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *