
(1)
تلألأت حبات السمسم فوقه وتسربل التمر بجوز الهند المبشور ، وتمر اكواب العصير مصفوفة علي الحضور ثم تنطلق زخات من الرصاص فوق سماء المكان وزغرودة من الداخل طويلة تتبعها أخريات ويندفع الناس الي رجل وقور يرتدي الجلابية السودانية الأنيقة ويلف رأسه بعمامة تناسقت طياتها في اناقة لا تخطئها عين ويطوق عنقه بشال مطرز ، يأخذ الجمع الرجل بالأحضان ويمدون الأيدي بالمصافحة ثم ينطلق اللحن الجميل الذي تعزفه فرقة موسيقية متمرسة ترتدي بذة باللون الأحمر ويقول اللحن ( الزاهي في زيك في وسامتك / نحن عايشين علي وسامتك ) ، يتمايل الرجل ذو الشال المطرز مع اللحن الجميل ، وهو يدور يمنة وشمالاً يلاقى أحبابه بالإبتسامة والضحكات الوقورة والأحضان ، تنطلق النغمات من موسيقى القرب والآلات النحاسية ويرتفع الحماس عالياً وتنطلق زخات الرصاص من جديد ،ويرفع الرجل عصاه عالياً ، يلوح بها في السماء سعادةً وطرباً فاليوم زواج إبنه الوحيد فيصيح في قائد اوركسترا الفرقة (أبشر والله) .
(2)
لحن ( الزاهي في زيك في وسامتك ) عزفته الفرقة آلاف المرات في مناسبات عقد الزواج ومناسبات أخرى سعيدة . يستبد الطرب في كل مرة بأعضاء الفرقة فرداً فردا قيتمايلون طرباً مع اللحن البديع … ينشط شباب الحي وأولاد الجيران في طلاء مدخل البيت باللون الأبيض ويكتبون علي جانبي المدخل ( يا داخل هذا الدار صلي على النبي المختار ) وربما زادوا عليها (حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وعوداً حميدا ) فقد عاد صاحب الدار الرجل ذو الشال المطرز من الحج . إصطف الجيران والأهل والأحباب أمام المنزل يستقبلون أوبته الميمونة وأرتفع إيقاع الطار علي وقع كلمات مدوزنة تقول في خشوع (مافى من زيك يا رسول الله )تؤديها فرقة تمدح المصطفى عليه افضل الصلوات وأتم التسليم ، تؤديها علي لحن وايقاع ( الزاهي في زيك ) ..
(3)
الزاهي في زيك في وسامتك /ما نحن عايشين علي ابتسامتك ) وضع اللحن والكلمات الفنان ادريس الخليفة على نور ادريس . ثم اداها بتطريب عالي الفنان نفسه ، معزوفة مناسبات عقد الزواج علي نغم اللحن الطروب ( الزاهي في زيك في وسامتك ) يعود للفنان نفسه ، ثم فرقة المدائح النبوية توزن إيقاعها علي اللحن نفسه وتردد ( مافي من زيك يا رسول الله /أكسينا من زيك يارسول الله) ثم ثنائي العاصمة يترنما بها وحولهما هالة من الضياء ، حتى قرقول الشرف يتم تفتيشه بلحن ( الزاهي في زيك في وسامتك ) .
(4)
هذا الرجل الفنان ادريس الخليفة على نور ادريس الشهير ب (ادريس الامير) أتي من شرق السودان وثغره الباسم وجعل السودان كله وفي مدنه كافة يتمايل طرباً مع لحنه واغنياته فأفراح عقودات الزواج لا تكتمل الا بلحن ادريس الامير والفرقة ذات البزة الحمراء لا يكتمل الطرب عندها الا عندما تصلصل الآتها النحاسية وتضبط نوتتها الموسيقية علي إيقاع ادريس الامير (الزاهي في زيك في وسامتك )،تعزفه في مسقط رأس الأمير في بورتسودان الثغر وفي ودمدني السني وفي فاشر السلطان وفي نيالا البحير وفي الابيض عروس الرمال وفي كسلا عروس الشرق وفي قضارف الخير وفي حلفا قديمها وجديدها وفي الدمازين وسنجة في كوستي والكوة وفي الرهد ابودكنة وتحت ظلال تبلدية الدلنج وعند سفوح جبال كادوقلي ثم في الخرطوم عموم ، في أنحاء السودان كافة، حيث يقود ادريس الامير اوركسترا الأفراح تضبط نوتتها علي نغمه الزاهي .
(5)
ثم ذاته هو ادريس الامير من جعل ل مدحة ( مافي من زيك يا رسول الله ) أجنحة تطير بها من ثغر الشرق الي زريبة الشيخ البرعي نواحي كردفان فتمدح الرسول الكريم وتقول (ذنوبنا هالكانا / نفوسنا مالكانا / بصيرة عميانة / قلوبنا انة / ياحبيبنا ../ وأرواحنا عطشانة / لرسول الله / أنحنا بنريدك / والله بنريدك / يا رسول الله )، وينتقل النظم واللحن من الامير في الشرق الي العاصمة ذاتها فيترنم بها الثنائي فيها السني الضوي وابراهيم ابودية (نحن بنريدك والله بنريدك يا رسول الله ) .
(6)
تعبت وعانيت كيف أدخل سواكن وأنظر قصر الشناوى المتين بعظمتة التي تبدو للناظرين كما صورة ادريس الامير ، لا لشئ الا لأن الإنتقال الحاد من اللحن الطروب الزاهي في زيه غناءً ومدحاً الي سيمفونية سواكن الحزينة يتطلب قلماً- لا أملك مداده – يجيد وصف اللحظات الفاصلة بين الفرح والحزن ومع ذلك الحزن الذي سكبه الامير في تلكم الأغنية التي فيها من الإعتداد قمته ومن المجد اعلاه ، ومن الوصف الصادق أبهاه ومن الفخر الذي يخرج من ركام الحزن بل ومن الحزن النبيل ذاته ، كل ذلك جعل الأغنية من سيمفونية تحمل من المشاعر ذروتها ، مشاعر تستدر الدمع الهطال ، ذات الدمع الذي إبتدر الامير به أغنيته التي كادت أن تصبح سلام جمهوري للذات السودانية التي تفخر وتعتد وتصف ثم تخرج من غلالة الحزن وهي تغني نظم الامير ( صب دمعي وانا قلبي ساكن / حار فراقك نار يا سواكن ).
(7)
لو لم يغن ادريس الامير غير سواكن لكفته لكنه غنى ثم غني وغنى ، دوزن الألحان وحده ونظم الكلمات وحده وأجاد الأداء وحده ثم جعل كل ذلك إرثاً متاحاً علي قارعة طريق الإبداع يقطف منه من يأنس في نفسه الكفاءة ومع سواكن كان كل الشعب السوداني يأنس في نفسه الكفاءة فيترنم مع ادريس الامير فنان الشرق الجميل وامير السودان كله ( صب دمعى وأنا قلبى ساكن / حار فراقك نار ياسواكن / السكونك وسط البحور ياسواكن / كنت جنة ومليانة حور ياسواكن/ ليك ماضى مدى الدهور ياسواكن / بيهو شعبك دايما فخور ياسواكن/ فى ربوعك شامخات قصور يا سواكن / بتحكى مجدك عبر العصور يا سواكن ) . فلنحي ذكري ادريس الامير ونحي مجد سواكن الذي وثقه ادريس أبد الدهور وسكب فيه الدمع السخين.