كارثة إنسانية” أم “مطالب عادلة”؟.. أزمة شرق السودان تتعقد
عزة برس :قناة الحرة
قد ينزلق السودان في “كارثة إنسانية واقتصادية، في غضون أسابيع قليلة” إذا لم تحل الحكومة الأزمة المستمرة في إقليم الشرق حيث أغلق المحتجون الموانئ والمطارات والجسور، مما عطل تدفق النفط والدقيق وحتى الأدوية، وفقا لتحذير أطلقه مستشار رئيس الحكومة السابق، فايز السليك، في حديثه مع موقع “الحرة”.
يأتي هذا في الوقت الذي يرى فيه المحتجون شرقي البلاد أن “مطالبهم عادلة” منتقدين “التهميش” لمناطقهم.
ويقول مبارك النور، ممثل ولاية القضارف في “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” الذي يقود الاحتجاجات، لموقع “الحرة”: “نعلم أن أزمة الخبز بدأت تظهر من جديد وأصبح هناك طوابير الوقود والغلاء طاحن، لكننا لن نتراجع ولن نفتح الموانئ ولا المطارات ولا الطرق حتى تستجيب الحكومة لمطالبنا”، ملوحا بالانفصال عن السودان إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم.
وحذر مجلس الوزراء السوداني، الأحد، بأن مخزون البلاد من الأدوية المُنقذة للحياة والمحاليل الوريدية على وشك النفاد، بسبب إغلاق الميناء والطريق القومي، مضيفا أنّ “استمرار عملية إغلاق الميناء والطريق القومي سيؤدي إلى انعدام تام لهذه السلع والتأثير الكبير على توليد وإمداد الكهرباء بالبلاد”، واصفا ذلك بأنه “يرقى أن يكون جريمة في حق ملايين المواطنين، ويزيد من معاناة شعبنا”.
ويضم إقليم شرق السودان ثلاث ولايات، هي: البحر الأحمر، وكسلا والقضارف، ويعتبر استراتيجيا كونه يحدّ إريتريا ومصر وإثيوبيا ويمتد فيه ساحل على البحر الحمر طوله 714 كيلومترا توجد عليه مرافىء نفطية.
كما يضم الإقليم خمسة أنهر وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية.
وتشكّل هذه الموارد عناصر مهمة لبلاد تعاني من اقتصاد متداع نتيجة سنوات الحكم الطويلة وسوء الإدارة والعقوبات في عهد الرئيس السابق، عمر البشير، الذي أطيح به في 2019.
شرق السودان يضم ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف وهو غني بالموارد الطبيعية لكنه من أفقر المناطق في البلاد
شرق السودان يضم ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف وهو غني بالموارد الطبيعية لكنه من أفقر المناطق في البلاد
“مطالب عادلة”
يوضح النور، وهو نائب سابق مستقل في البرلمان المنحل، مطالب المحتجين التي يعكسها “المجلس الأعلى” شرقي البلاد، بأنها “عبارة عن ثلاثة أمور، هي: إلغاء مسار شرق السودان المنصوص عليه في اتفاق السلام الموقع في جوبا، وإعلان منبر تفاوضي مع التنسيقية العليا لكيانات شرق السودان وهي تمثل الولايات الثلاث، وإعفاء الحكومة الحالية الفاشلة في الخرطوم وإبدالها بحكومة كفاءات وطنية مستقلة حسب الوثيقة الدستورية، لأنها أصبحت محاصصات حزبية”.
ونُظّمت احتجاجات في ميناء بورتسودان، منذ 17 سبتمبر الماضي، ضدّ اتّفاق سلام تاريخي وقّعته الحكومة الانتقاليّة السودانيّة، في أكتوبر عام 2020، في مدينة جوبا مع عدد من الحركات والقبائل التي حملت السلاح في عهد البشير ضد القوات الحكومية احتجاجاً على التهميش الاقتصادي والسياسي لمناطقها.
وبين هذه الأطراف المتمردة، مجموعات من شرق السودان، لكن النور يقول إن “من وقّعوا عن شرق السودان قلة لا تحسب ولا يمثلون إلا أقل من عشرة في المئة، ومعظمهم لا يعيشون حتى في أي من الولايات الثلاث، بل أن بعض الموقعين عن الشرق يعيشون في أوروبا”.
ويوضح الباحث السوداني الذي يعيش في ولاية القضارف، محيي الدين محمد محيي، أن مفاوضات السلام جرت مع “الجبهة الثورية” وهي الحركات المسلحة التي كانت منضوية تحت قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات ضد نظام البشير، واستبعدت الحركات والقبائل الأخرى وخاصة التي كانت وقعت اتفاقية 2006 مع نظام البشير”.
يتفق معه السليك، المستشار السابق لرئيس الحكومة، عبدالله حمدوك، في أن المفاوضات لم تشمل كل تكتلات شرق السودان، “ولذلك فإن الحكومة أعلنت أنها تتفهم مطالبهم العادلة”، مضيفا أن “مسار شرق السودان هو مجمد في الأساس ولم ينفذ تقريبا حتى الآن”.
ويقول النور “نحن تم إقصاؤنا، وحين التفاوض على اتفاق السلام، تكلمنا كثيرا وأخبرنا الحكومة أن هذا المسار إذا أكملتم فيه فإنه لن ينفذ في شرق السودان.. لأنه لا توجد عندنا حرب حتى يتم توقيع اتفاقية سلام”.
ويضيف “من فاوضوا باسم الشرق ليسوا مفوضين عنا أو يمثلوننا، وهل كان يوجد حرب عندنا حتى يوقع اتفاق سلام؟، مشكلتنا الأساسية أيضا هي التهميش فقط، ليست هناك خدمات ولا تنمية، هناك ظلم كبير واقع على المواطن في شرق السودان، نحن لدينا موانئ ونحن الفم الذي يأكل منه كل السودان”.
ويوضح “نحن نشعر أن كل الأشياء تأتي عبر الميناء ونحن لا نحصل على شيء، تمر عبرنا أجهزة الكهرباء ونحن نعيش في الظلام، تمر عبرنا أنابيب المياه ونحن نعاني من قلة المياه، تمر عبرنا أجهزة الدواء ونحن مرضى، تمر عبرنا أجهزة التطور ونحن في تخلف، لذلك نريد نصيبنا العادل، الموانئ تدر على خزينة الدولة مليارات الجنيهات ونحن لا نحصل على شيء، لابد من عدالة في قضيتنا”.
وتابع “لدينا ثروات ضخمة بدءا من حيوانية وزراعية ومعدنية وبحرية من أسماك وخلافه، ولدينا سدود وأنهار ومياه، شرقنا غني ومن أغنى المناطق في السودان بالنسبة للموارد، لذلك يجب أن يكون لنا تمثيل في السلطة والثروة ونطالب بحقوقنا كاملة، وإذا لم توفرها لنا الدولة كاملة سننتزع حقوقنا انتزاعا وإذا لم نستطع انتزاعها سنطالب بحق تقرير المصير، المسألة واضحة ومنتهية”.
ويقول أسامة سعيد، رئيس وفد التفاوض عن شرق السودان الذي وقع على مسار جوبا، بدوره إن الإقليم “زاخر بموارد طبيعية”.
ويضيف لفرانس برس “مع ذلك، هو مهمّش. على سبيل المثال، يخرج منه ستون في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من الذهب إضافة الى إيرادات الموانئ”.
لكنه يرى أن “انتزاع مسار باسم الشرق لم يكن أمرا سهلا. الحكومة كانت تعتقد أنه ليس هناك نزاع في الشرق ولا حاجة للتفاوض. مع ذلك أتينا بمكاسب لإنسان الشرق باعتراف الحكومة بتهميشه وتخصيص 30 في المئة من الموارد التي تخرج من الإقليم لصالحه”.
في المقابل يقول السليك لموقع “الحرة” إن “مشاكل الشرق حقيقية وهم يرفعون قضايا عادلة فيما يتعلق بحقوق الإقليم وإلغاء مسار الشرق وغيره، هذه قضايا معظم الناس تتجمع حولها، لكن هناك ثلاثة عوامل تثير القلق، وهي مطالبهم باستبدال الحكومة المدنية بحكومة عسكرية، ومسألة ظهور الفلول (عناصر النظام السابق) والإسلاميين أحيانا، وإغلاق الطرق والموانئ وهو ما يؤثر سلبا على قضاياهم المطروحة والعادلة”.
ويرد النور على السليك قائلا: “نحن لم نقل حكومة من الجيش، بل نطلب حكومة وطنية كفاءات مستقلة حسب الوثيقة الدستورية”.
ونفى أن يكون من يرفع مطالب شرق السودان هم من “فلول” النظام السابق، قائلا: “هذا غير صحيح، أنا كنت نائبا مستقلا ولم أكن حزبيا، وهل كل مواطني شرق السودان فلول؟، هذه مزايدات يصفون كل وقفوا ضدهم بالفلول، إذا كنا فلولاً فلماذا لم تحاسبنا لجنة التمكين التي أنشأوها هم”.
وتعتبر ولاية القضارف أكبر ولاية زراعية في السودان، ووفقا لإحصاءات وزارة الزراعة السودانية، تزرع فيها سنويا ثمانية مليون فدان.
ويعتبر الإقليم من أفقر مناطق السودان، وفقا لإحصاءات حكومية رسمية. ففي مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2017، بلغ معدل الفقر في الولايات الثلاث 54 في المئة، بينما يبلغ 36 في المئة على المستوى الوطني.
وفي مسح لوزارة الصحة السودانية عن معدلات وفيات الأمهات أثناء الولادة، من عام 1990 الى 2009، جاءت نسبة ولاية كسلا أعلى من كل ولايات البلاد.
وكان بيان مجلس الوزراء الانتقالي السوداني قد أكد في بيانه، أن قضية شرق البلاد “قضية عادلة وذات أولوية قومية قصوى، وأن حل الملف هو حل سياسي بالأساس، بما يخاطب كافة القضايا السياسية والاجتماعية والتنموية لكافة أهل شرق البلاد”.
غير أن الحكومة حذرت في الوقت نفسه، من “تبعات إغلاق الميناء ببورتسودان، والطُرق القومية بما يُعطِّل المسار التنموي في البلاد، ويضر بمصالح جميع السودانيات والسودانيين”، داعيا المواطنين للنأي عن أساليب الاحتجاج التي تضُر بالملايين ومشددا على أن “الحوار هو السبيل الأنجع لنيل الحقوق”.
ويقول النور “الحكومة تتحدث في الفضاء بأن قضية الشرق قضية عادلة وأنه يجب أن تحل أزمتنا، وعندما نجلس مع الحكومة لا حل ولا اهتمام بالشرق”.
وفي 27 سبتمبر الماضي، ترأس عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، اجتماعا مشتركا بين وفد من الحكومة الاتحادية ولجنة أمن ولاية البحر الأحمر، ووفد مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة الذي يترأسه الناظر محمد الأمين ترك.
وقال مجلس السيادة في بيان، حينها، إن الاجتماع توصل إلى السماح “لصادرات بترول دولة جنوب السودان بالمرور عبر ميناء بشاير” مضيفا أن الوفد الحكومي قدم خلال الاجتماع عددا من المقترحات لحل قضية شرق السودان “شملت فتح الموانئ والطريق القومي، كما اقترح قيام مؤتمر جامع لأهل شرق السودان تكون مخرجاته ملزمة للحكومة وأهل شرق السودان”.
لكن النور قال لموقع “الحرة”: “لم نصل معهم لاتفاق، هم طلبوا منا الاعتراف بمسار شرق السودان قبل إعلان منبر تفاوضي، ونحن رفضنا الاعتراف به، وسنظل رافضين به”.
صراع العسكر والمدنيين مجددا
يرى السليك أن التصعيد الذي يحدث في الشرق، جزء من عمل المكون العسكري الذي يشارك المدنيين الحكم، “حيث يؤجج هذه التظاهرات”، بحسب وصفه، مضيفا أن “الأزمة كلها مقصود بها المكون المدني، بدليل مطلب مجلس البجا بإسقاط الحكومة المدنية، هي هجمة ضد المكون المدني وضد الانتقال الديمقراطي في السودان”.
وأضاف “هم يطالبون المكون المدني بإلغاء مسار شرق السودان، والمفارقة أن المكون العسكري هو الذي أشرف على مفاوضات السلام بشكل عام وشرق السودان على وجه التحديد”.
من جانبه وصف رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان ،الاحتجاجات في شرق السودان بـ”الأمر السياسي”.
وقال في تصريحات، خلال افتتاح مستشفى عسكري بالخرطوم: “ما يحدث من إغلاق في الشرق.. أمر سياسيّ، ويجب أن يتمّ التعامل معه سياسياً”.
يتساءل السليك “كيف يكون المكون العسكري هو من قام بالاتفاق مع شرق السودان، ثم يقف لمساندة من هم ضد الاتفاق”.
ويقول: “المسألة أن المكون العسكري يريد إيصال الأمور إلى حافة الهاوية، ويستخدم أوراق ضغط كثيرة منها شرق السودان وغرب كردفان وبعض القبائل في وسط السودان وصناعة الفوضى، كل هذا لوصول المرحلة إلى حافة الهاوية، وبالتالي إعادة تشكيل المشهد السياسي من جديد تكون اليد العليا فيه للعسكريين والإسلاميين”.
ويضيف “الآن هناك أزمة كاملة في الوقود والأدوية، وكل الحاجيات الأساسية، استخدام الموانئ وقطع الطرق ينعكس على كل المدنيين بسبب وضع كل السودانيين رهينة للعبة سياسية”.
لكن محيي يشير إلى أن حل الأزمة وإلغاء مسار شرق السودان يحتاج إلى “إرادة سياسية من القوى التي تتكون منها الجبهة الثورية”، مضيفا أن “المكون العسكري إذا تدخل بحل أمني فسيكون لذلك تأثيرات وارتدادات عكسية، خاصة أن طريقة إغلاق الطرق والمتاريس التي اتبعها المحتجون في شرق السودان، بدأها المناهضون لحكم البشير ثم الذين يهتفون ضد الجيش حاليا”.
من جانبه يقول النور إن “الحكومة التنفيذية هي الحكومة المدنية، أما المكون العسكري فهو في مجلس سيادي تشريفي فقط وأمني، وقضيتنا هي شأن رئيس الوزراء والحكومة.. المجلس السيادي ليس لديه صلاحيات، ومسؤول فقط عن الترتيبات الأمنية، نعم المسؤولية مشتركة بينهما ولكن ما يعنينا أن حقوقنا مسلوبة، ما يعنينا أن الذين وقعوا عنا لا يمثلوننا”.
سبل حل الأزمة
يرى السليك أن أزمة شرق السودان “قضية قابلة للحوار، لأنه في النهاية، عندما تكون هناك اتفاقية مع شرق السودان يجب أن يشارك الجميع فيها، لكن عليهم أيضا النظر في مسار شرق السودان بحيث يمكن توسيعه لأن فيه قضايا جيدة لهم من حيث مشاركتهم في السلطات المحلية”.
وكشف عن أن “هناك طرحاً بعقد مؤتمر شامل لشرق السودان يناقش كل القضايا المطروحة، مسألة التنمية والثروة، والمشاركة في السلطة، وما يرتبط بالحدود، والحوار حولها والاتفاق للوصول لحل”.
لكن النور يقول: “نحن لا نريد مؤتمراً جامعاً ولا مؤتمراً تشاورياً، نحن نريد إعلان منبر تفاوضي لشرق السودان بشروطنا، بأن يكون هناك وسيط وراع وخارطة طريق وإعلان مبادئ ووفد مفاوض وضامنين ومراقبين، وإن لم تستجب الحكومة لمطالبنا، سنطالب بحق تقرير المصير في شرق السودان، وهذا حقنا حسب قوانين الأمم المتحدة”.
ويرى محيي أنه يجب قبل كل شيء أن تتفاهم الأطراف جميعها ويتشارك الجميع في الحل بدءا من القوى السياسية والمكون العسكري والمجلس الأعلى للبجا وكذلك الأطراف الموافقة على مسار شرق السودان من داخل الإقليم