والأمانة شئ عظيم لا يستطيع كائن من كان أن يحملها ..
إلا من وهبه الله القدرة على حملها ، ومن وهب تلك القدرة فسيلاقى ما يلاقى من أهوال إلى أن يسلم تلك الأمانة ..
ففي بلادنا الحبيبة هذه ومنذ إستقلالها يتنازع الساسة في حكمها بلا وازع ضمير ..
وكأن هذا الحكم رفاهية وليس تكليفاً وأمانة يسأل عنها في يوم الموقف العظيم ..
فيتصارعون في أعلى هرم الدولة تاركين الوطن والشعب يئن تحت وطأة ذاك الصراع الأرعن ..
فكما وصفهم أحد الناس بأنهم مثل القرود إذا أتفقوا أكلوا الزرع وإذا أختلفوا أتلفوه ..
وما دعى لكتابة هذه المقدمة هو أننا نسمع بين الفينة والأخرى أحاديثاً لمختلف الساسة من شتى الأحزاب يتحدثون عن تكوين حكومة في البلد المنكوب ..
لعمري أن من يسعى خلف الحكم لن يجده فهذا هو الشئ الوحيد الذي قد يغيضه الله لك أو ينزعه منك ..
فهو يؤتي الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء ..
فالحكم أمانة والأمانة ثقيلة فما أراه من ساسة لا يتفقون حتى في إتفه الإمور فلن يستطيعوا تحمل هذه الأمانة ..
الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحلمنها وأشفقن منها وحملها الظلوم الجهول الذي يسمى الإنسان ..
أمانة هذه البلاد لا تحتمل هذا الكم الهائل من السياسيين .. فكل منهم يرى أنه الأحق بها من سواه ..
وإن إبتغينا مرضاة ذاك الكم الهائل من الساسة وجعلنا لكل قرية من قرى بلادي حكومة لحالها ما كفتهم وما أرضتهم ..
ثم إن الوضع الحالي الذي تمر به البلاد لا يحتاج لصراعات وإختلافات السياسة البغيضة ..
فهو وضع إستثنائي أتى نتاج لتلك الصراعات السياسية والصراع حول حكم الدولة وتراكمات كثيرة من الماضي كان هذا نتاجها .. حرب لا تبغي ولا تزر وقضت على الكثير من إمكانيات البلاد ..
لو تحلى أولئك الباحثون بقليلٍ من الصبر ووحدوا جهودهم إلى أن تنتهي هذه الأزمة لكان خير لهم وللبلاد ..
ولكن الطابع في السياسة الخسة والخباثة التى ظهرت في إستغلال الوضع الراهن ولعب كلٌ منهم على حباله ..
فوجدوا الماء عكراً وأصطادوا فيه .. وفي غمرتهم هذه نسوا أن هناك مؤسسة تسمى القوات المسلحة ..
وهي المؤسسة الوحيدة في البلاد التي تؤدي واجبها على الدوام بأكمل وجه ..
وهي التي دائماً تتكئ عليها البلاد كلما دنت من السقوط ..
وتلجأ إليها في المحن والإحن عندما يفر الساسة إلى خارجها للإحتماء بالغريب صديقاً كان أم كفيل ..
فأمانة هذه البلاد وفي هذا الراهن البائس يجب ألا تسلم لغير القوات المسلحة ..
فضباطها لا يحلمون على أكتافهم رتباً ولا جنودها يحملون على سواعدهم رتباً بل يحملون وطناً علق في الأذهان ووقر في القلب ..
فهي المؤسسة الوحيدة القادرة على تسيير هذه السفينة التي كانت مهددة بالغرق إلى بر الأمان ..
وبما أنها مؤسسة زاهدة في الحكم فعليكم أيها الساسة الإنتظار عند الشاطئ وستصلكم السفينة سالمة غانمة ..
وعندها نأمل أنكم وحتى ذاك الوقت أن تكونوا قد إتفقتوا على أكل الزرع بدلاً من إتلافه .. فكلوه هنيئاً مريئاً بدلاً أن يأكله غيركم .. وعند الله تجتمع الخصوم ..
(نصر الله جيشنا الباسل)