المقالات

همس الحروف.. دولة ضد رجل 3/2 بقلم : الباقر عبد القيوم على

 

الحلقة الثانية

لقد توقفنا في الحلقة السابقة في محاكم النظام العام في قضية تم فتحها ضد الأستاذ محمود محفوظ مالك مدارس الفاروق و كانت هي الأغرب من نوعها ، إذ لم يكن هنالك شاكي من المتضررين الذين نسجت القصة عنهم في فساد الرجل ، بل كان وكيل النيابة هو الشاكي (بالحسبة) نيابة عن المجتمع ، و هذا ما فتح لنا باباً واسعاً للتساؤلات التي لم نجد لها إجابة شافية حتى الآن .. لأن أمثال هذه الجريمة شائعة الحدوث في مجتمعنا هذا ، و عادة في مثل هكذا حالات يقوم المتضرر بشكاية الجاني ، و يكون البلاغ في مراكز الشرطة وليس في معتقلات الامن ، و تكون النيابة هي الطرف المحايد الذي يمثل الحق العام في تحقيق العدالة تحت مظلة المتهم بريء حتى تثبت إدانته ،، و لكن ما تم بخصوص هذا الرجل يجعلنا نتوجس من كل تلك الإجراءات التي تمت في ذلك العهد المظلم .

و من باب الأمانة الصحفية لا يسعني إلا وأن إستعرض معكم بعض من ما وصلني من اتصالات كانت تحمل آراء متضاربة حول هذه القضية التي شغلت الرأي العام في ذلك الوقت و ما زالت ، فقد تواصل معي كثير من القراء ، و كان بعضهم يتحوقل من هول ما حدث لهذا الرجل من جرم ، و كانوا يتمنون له من الله ان يرفع عنه هذا الظلم البواح ، و الشق الآخر منهم كان مستنكراً لما كتبته في حق هذا الرجل و خصوصاً الأستاذ (أ ، د) ، و هم يجزمون بأن الرجل كان مذنباً و يجب أن ينال جزاءه .. فإذا سلمنا برأي هذه المجموعة الأخيرة ، و التي كان رأيها سلبياً في حق الرجل ، و يمكن أن نذهب معهم على حسب الإدعاء الذي يصب في ماعون اتهامه في هذه الجريمة ، و نحاول معهم أن نكسر عظم تلك القاعدة الأصيلة التي تقول : المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، و لقد سألت بعضهم سؤال جوهري ، لما لم يكن هنالك شاكي أصيل من أصحاب القضية الأصيلين ؟ ، ولماذا حملت القضية المنحى السياسي أكثر من كونها جريمة شائعة الحدوث في المجتمع ؟ و لماذا تم إستدراج أطفال أبرياء في رحلة و تم التحقيق معهم و تصوير كل مخرجات هذا التحقيق عن طريق جهاز الأمن بدون علم ذويهم ، ألا يعلم ذلك الضابط الذي اتعفف عن ذكر اسمه أن النيابة لا تعترف بمثل هذه التسجيلات السمجة التي تمت بدون إذنها و بدون بلاغ ، هل كان ذلك الضابط يجهل كل هذا ، أم فقط كانت كل هذه التمثلية التي لا تشكل حجة امام القضاء من اجل ابتزاز الرجل ؟ فيا إدارة جهاز الأمن هل هذا السلوك الغريب و المريب تقره أخلاقيات هذا الجهاز ؟ و هل قبل أولياء الامور بهذا التحري الجريء الذي تم مع أبنائهم ؟ كلها أسئلة تبحث عن إجابة ، و كذلك لماذا لم يكن هذا الإتهام مثل تلك الإتهامات التي تبتديء ببلاغ طبيعي في مراكز الشرطة حيث التحري النظيف الذي يتم تحت النور و يحفظ حقوق المتهم والشاكي في آن واحد ، فلماذا كل هذه الإجراءات التي حدثت مع الرجل كانت في الظلام و داخل بيوت أشباح جهاز أمن الدولة ، و كانت تحت ظروف مريبة تخللتها آلة التعذيب المفرط ، و كما تم ضغط الرجل في تلك الظروف النفسية القاسية ليتنازل عن مدارسه ، و ما هو معلوم بالضرورة في سنوات الانقاذ الأولى لم تقم محاكم النظام العام من إجل تحقيق العدالة و انما كانت من أجل تمرير بعض الأجندة الخفية التي يصعب تمريرها في محاكم القضاء السوداني ، و ما يقيم الحجة بالدليل القطعي هو قيام القاضي بطرد كل وسائل الإعلام التي كانت حاضرة من أجل توثيق و قائع هذه القضية من قاعة المحكمة و كذلك كان للقاضي طلب آخر جعلني اتوجس منه كثيراً و هو منع أن يحضر مع المتهم اكثر من محام واحد فقط وذلك لانه كان هنالك كثير من المحامين الذين يثقون في أخلاق هذا الرجل و يريدون الدفاع عنه ، و من الضرورة بمكان أن أسأل الرأي العام و أهل القانون : هل إذا ثبتت التهمة في حق هذا الرجل و تمت إدانته فعلياً في هذه الجريمة التي يرفض المجتمع السوداني ذكر إسمها هل هذا يعتبر سبباً كافياً ليتم توزيع تركته كما تم في حقه ، و هل هذا سبباً كافياً لتمسح معه كل معالم ما يمتلك الرجل من حقوق .. سأترك الرد للقاريء الحصيف ، و كما أن الإدانة لن تخصم من ما يحمله الرجل من علم كان يمكن أن يستفيد منه جميع الناس ، فهل إذا وقع أنشتاين في نفس نوعية الإتهام التي نسبت للرجل هل كان ذلك سينتقص من نظرية النسبية ، علماً بأن هذا الرجل لم يدان في هذه القضية وكما لم يكن له سوابق قبلها ، فلماذا ننصب من أنفسنا في حق الرجل شخصية الجلاد و الحكم ؟ و ما يؤكد براءته لماذا توقفت المحكمة بعد هروبه ، لماذا لم تستمر في مباشرة القضية و ادانته إن كان مذنباً و إن كان ذلك غيابياً ، أليس غريباً ان تتوقف المحكمة عن سيرها في هذه القضية .. اين كان موقف اولياء الامور المتضررين ، و لماذا لم يجبروا المحكمة على الاستمرار في القضية لتصدر حكمها في حق هذا الرجل المذنب على حد زعمهم .

بعد أن تم إرعاب هذاالرجل بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة عن طريق إتحاد مؤسسات الدولة ، بداية بجهاز الامن ثم وزارة التربية و بعدها النيابة التي سلكت مسلكاً كان غريباً ، حيث تحولت النيابة في هذه القضية من جهة محايدة تطبق القانون و تحفظ الحق العام إلى شاكي بالحسبة ضد الرجل ، و أخيراً كانت القاصمة ما قام به قاضي محكمة النظام العام من محاولة لجعل المحكمة كغرفة مغلقة لا تقل مكانة عن بيوت الاشباح حينما قام القاضي بطرد الاعلام و المحامين من قاعة المحكمة ، و بعد اكتمال دائرة الرعب تدخل البعض من أفراد جهاز الامن و عرضوا على الرجل خدماتهم بتسيهل هروبه حينما وجد كل مؤسسات الدولة تقف ضده و هو رجل أعزل ليس له حول و لا قوة ، و لهذا لم يجد غير هذا الطريق الوعر ليسلكه و ينفذ بجلده ، حيث تم توفير التذاكر و التأشيرة له في نفس اليوم ، لتحملة الطائرة إلى قاهرة المعز تم الى الولايات المتحدة الامريكية .

قطعاً ما حدث لهذا الرجل من سلوك بعض ضباط جهاز الامن مرفوض تماماً ، و ما يطمئننا في ظل هذا التغيير الذي حدث بعد الثورة بدأت الإدارة الرشيدة في هذا الجهاز العظيم بإستصال جميع بؤر الفساد فيه و إعادة هيكلتة و معالجة كثير من الأعطاب و السلبيات التي ورثها من العهد البائد ، التي شوهت صورتة و خصمت كثيراً من رصيده الذي كان يحتفظ به الشعب السوداني لهذا الجهاز ، وكلنا ما زلنا لم نخرج من دائرة التأثير النفسي السلبي الذي وقع علينا في جراء ما حدث للمعلم الشهيد أحمد الخير و الطالب الشهيد محجوب التاج و الدكتور الشهيد علي فضل .

في الحلقة القادمة ستكون المفآجاة الكبرى .. أين ذهبت مدارس الرجل بعد تهريبه الى خارج البلاد ،، و من هو المالك الجديد ؟ و كيف آلت إليه ؟ و ما هي قانونية ذلك ؟ ، و هل يمكن إرجاعها ؟.. ينتظركم الكثير و المثير فتابعونا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!