المقالات

الأمن يا والي الخرطوم بقلم : العميدشرطة (م) محمد أبوالقاسم عبدالقادر

في العام ٢٠٠٩م شاركت في ورشة عمل بالعاصمة البورندية بوجمبورا والتي كانت تضم تسعة من ضباط الشرطة من دول شرق افريقيا وكنت حضورا في هذه الورشة ممثلا لشرطة السودان لمناقشة ترتيبات الاعداد للمكون الشرطي لقوات الإستعداد لدول شرق افريقيا(إيساف- EASF)، وفي الجلسة الافتتاحية للورشة خاطبنا مدير الشرطة البورندية مرحبا ومتمنيا ان تنجز الورشة أعمالها بنجاح ولكنه في خاتمة حديثه لم ينسى ان ينبهنا بأنهم قاموا بتأمين الفندق الذي نقيم فيه وتنعقد فيه ورشة العمل بدائرة تامينية قطرها ٥٠٠ متر وأنهم غير مسئولين عن سلامتنا إذا ما غادرنا هذه الدائرة التأمينية … كنت استمع لحديثه بدهشة بين مصدق ومكذب وحمدت الله كثيرا على نعمة الامن في بلادي واحسست باننا في السودان رغم المعاناة وضيق العيش الا اننا في نعمة يجب ان نشكر الله عليها كثيرا.
— بعد إسبوعين من هذه الورشة إلتقينا مرة أخرى في كيجالي عاصمة رواندا حيث خاطبنا مدير الشرطة الرواندية بعبارات المجاملة التقليدية المتعارف عليها، لكن ما لفت إنتباهي في حديثه قوله بأنه يرحب بنا كضيوف أعزاء في بلده ولنا مطلق الحرية في ان نتجول بأمن وسلام في أي مكان واي زمان في كيجالي العاصمة التي تمثل عنوانا للنظافة والجمال والأمن ، والملاحظ أن حديث الرجلين مختلف تماما لكن هدفهما واحد وهو المحافظة على أمن وسلامة ضيوف بلديهما، فحيثما إنفرط عقد الأمن وكثرت مهدداته كان الحذر وضاقت دائرة التامين، وحيثما وجد الأمن والسلام وقلت المهددات الأمنية كانت الحرية والإستقرار والطمأنينة التي لا تحدها حدود مكانية أو زمانية.
— وفي ختام العام ٢٠١١م كان هناك أكبر تجمع لقوات الاستعداد لدول شرق أفريقيا بمكوناتها الثلاث العسكرية والشرطية والمدنية بالخرطوم عاصمتنا السودانية ، وكان عدد المشاركين يذيد على المائة من مختلف دول شرق افريقيا حضروا للسودان لتنفيذ التمارين التدريبية الميدانية(FTX)، منهم من أقام في اكاديمية نميري العسكرية بامدرمان وإنتشر البقية في فنادق الخرطوم ، حيث إمتدت إقامتهم بالخرطوم لأكثر من إسبوعين، و تجولوا في أوقات فراغهم في كل أنحاء الخرطوم واستمتعوا بجمال النيل والآثار القديمة وزاروا الأسواق والمتاحف ، وكانت معظم أحاديثهم تدور عن سلوك الإنسان السوداني ذلك السلوك الحضاري المسالم والبعيد عن العدوانية و المرحب بالضيف، وقد ٱتفقوا جميعا في إشادتهم بالشرطة والأجهزة الإمنية لما لمسوه واحسوه من أمن وطمأنينة طوال مدة أقامتهم بالخرطوم ، وهذه إشادة تأتي من خبراء أمنيين على أعلى مستوى في بلدانهم بشرق أفريقيا.

— تذكرت هذه الوقائع يا سيادة والي الخرطوم وأنا أتابع ما نحن فيه من تردي أمني تسؤ حالته تدريجيا وينذر بالخطر ، فعلى الرغم مما تقوم به شرطة ولاية الخرطوم من مجهودات خارقة وجبارة بإمكانات لا تتناسب وحجم المهددات الأمنية التي عظمت وتنامت في ظل وجود لحركات مسلحة دخلت الخرطوم باتفاقيات عجزت عن القيام بترتيبات أمنية لإستيعاب أفرادها في الأجهزة الإمنية النظامية، وهذا الوضع المعقد بالولاية نتجت عنه الكثير من المهددات الأمنية والظواهر الإجرامية ، فالنهب المسلح موجود ومنتشر، وزوار الليل أضافوا لعملهم الزيارات النهارية، وظواهر خطف الموبايلات وحقائب الفتيات أصبحت لا ًتثير الدهشة ، وإنتشار لعصابات النيقرز باسلحتها البيضاء مسببة الأذى الجسيم والجراح لضحاياها ، وتفشي ظاهرة المخدرات وسط الشباب تعاطيا وإتجارا ،والأدهى والأمر ما يحدث من مهاجمة لأقسام الشرطة لاطلاق سراح متهمين تم القبض عليهم !!، وتمتد الجرأة إلى إقامة الإرتكازات الليلية في الشوارع الرئيسية لإبتزاز المواطنين ،إلى غير ذلك من الظواهر الإجرامية التي تعد مؤشرا إلى حدوث إنفلات أمني إذا لم يتم حسمها بشدة وحزم.
— المطلوب يا سيادة الوالي دعم الشرطة سياسيا والسعي مع الجهات التشريعية (إن وجدت) لتعديل القوانين واطلاق يد الشرطة باعادة سلطاتها التي تم تكبيلها، وتوفير الحماية القانونية اللازمة للشرطة وهي تؤدي واجباتها ، ثم المطلوب يا سيادة الوالي إعادة النظر في انتشار الشرطة في الولاية خاصة بعد اتساع رقعتها الجغرافية بالتمدد العمراني الذي لم يواكبه تمدد وزيادة في الخدمات الامنية وذلك بإنشاء المباني والنقاط خاصة في الاماكن الطرفية ثم تقديم الدعم اللوجستي من المركبات و الأجهزة والمعدات وكافة معينات العمل التي تساعد كثيرا في تنفيذ الخطط الأمنية للحد من الجريمة ، والأهم من ذلك كله سيادة الوالي هو إشراك المواطن في العملية الأمنية ذلك أن الأمن مسئولية الجميع ولتعلم سيادة الوالي بأن الشرطة الشعبية ليست صنيعة الإنقاذ وإن كانت من حسناتها ، يمكنك يا سيادة الوالي النظر في إعادة العمل بمنهج إشراك المواطن في العملية الأمنية بالتنسيق مع لجان المقاومة في الأحياء واقسام الشرطة المنتشرة والوصول لصيغة مناسبة لمشاركة المواطنبين في دعم الامن والإستقرار ، ولا شك ان المواطن لا ينتظر كثيرا ويلجأ للوسائل التي يراها مناسبة له للحفاظ على امنه وقد يسلك في سبيل ذلك طرق غير قانونية تقود لنتائج غير محمودة ، يا
سيادة الوالي لا بد من لتحرك الفعال والجاد لبسط الامن بالولاية مهما كلف ذلك والمعلوم انه اذا حدث انفلات امني لا قدر الله فتكلفة إعادة الامور إلى نصابها أكبر … أسال الله أن يحفظ البلاد والعباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *