
*”الفلسفة أعمق من الأدب لأنها تدرك أن الأدب اعمق منها”..!*
في رواية “زوربا اليوناني” لنيكوس كازانتزاكيس لا تظهر الغانيات كشخصيات هامشية، بل بوصفهن حراساً لحرية الحياة في مجتمع يخاف رغباته. فـبوبا، التي أحبها زوربا، ليست علاقة عابرة بل قوة وجودية تمنح البطل شجاعة مواجهة الفقر والقهر وتعقيدات البشر. حيث تمثل بوبا الجسد بوصفه حقاً إنسانياً ومقاومة صامتة للسلطة الأخلاقية المتشددة في المجتمع اليوناني..!
أما في عالم “زوربا البرازيلي” عند جورج أمادو، فإن الغانيات يتحولن إلى جزء أصيل من النضال الشعبي ضد الفساد والاستبداد، حيث يتجاوز دورهن المتعة إلى حماية الفقراء، وكشف فساد النخب، وصناعة وطنية الهامش التي تنحاز للناس قبل السلطة..!
وفي جعبة تاريخ الواقع الإنساني الكثير من الحكايات التي تصور الأدوار المهمة لغانيات – وفتيات ليل ومحترفات بغاء – في اشتعال الثورات على فساد الحكام وفي نجاح الكثير من حركات التحرر الوطني. بوازع من عاطفة الوطنية القابعة في أعماق كل منهن. تلك العاطفة التي لا يملك بعض أدعياء السياسة في بلادنا نسخةً منها..!
في كتابه “جمال عبد الناصر المُفتري عليه والمفتري علينا” حاول الكاتب الراحل “أنيس منصور” أن يمزق الصورة النمطية لأكثر الرؤساء المصريين وطنيةً في أذهان الناس. وفي مقال بعنوان “آرثر ميلر قاتلاً” حاول أن يمزق صورة مشابهة محفورة في وجدان الثقافة الأمريكية لضمير مسرحها “آرثر ميلر”، وذلك من خلال التنديد بقسوته – كزوج – علي “مارلين مونرو”..!
كتاب آخرون كثُر تناولوا بالجرح والتحليل سيراً أخرى لشخصيات تاريخية ظلت مثيرةً للجدل بشأن حقيقتها الأكيدة. وهذه قضية ليس لها علاقة بالغموض أو التناقض بقدر علاقتها بطبيعة تقلبات النفس البشرية التي تجعل لكل شخصية إنسانية نسخاً عديدة..!
هنالك شخصيات شهيرة شاءت إرادة الله أن تضعها في مواجهات صارمة مع أحكام التاريخ، بدءاً بالسيدة عائشة وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – في فتنة مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، ومروراً بهارون الرشيد مع جعفر البرمكي والكونتيسة صوفيا تولستايا مع قراء زوجها الراحل ليو تولستوي، والملك فاروق مع جمال عبد الناصر”..!
وليس انتهاءاً بما سيكتبه التاريخ عن مآلات الحرب الأخلاقية بين قيادات الجيش والشعب السوداني السوداني من جهة، وقيادات” تقدم” سابقاً، بشقيها” تأسيس وصمود” من جهة أخرى، في مواجهة هذه الحرب التي خططت لها قوات الدعم السريع وحكومة الإمارات باشتراك جنائي مع ذات القيادات التي خلعت قميص الحرية والتغيير ولبست بزة تقدم، قبل أن تنشق إلى حكومة غير شرعية وجماعة البرزخ الواقفين في منطقة الأعراف السياسية باسم” صمود”..!
الوجه الوطني لحواء الطقطاقة في السودان، والوجه السياسي لتحية كاريوكا في مصر، تفوقتا – على معظم ورثة الحرية والتغيير – بمواقفهما الوطنية التي قال عن مثلها شاعر بقامة أحمد مطر “أتمنى أن أرى حزباً عربياً واحداً يقوده مخلوق صادق وجريء وأمين وطيب القلب مثل كاريوكا”، والتي كرَّم ذكراها مفكر بحجم إدوارد سعيد..!
فالانتماء للإنسانية لا يعرف الطبقيَّة الاجتماعية، وليس هنالك مناضل مثقف ومناضل تافه، ولا يوجد فعل وطني كبير وفعل وطني صغير، بل “شخص وطني” يستطيع بإخلاصه أن يجعل كل الأفعال كبيرة ..!
munaabuzaid2@gmail.com











