
Ghariba2013@gmail.com
أعلنت حكومة ولاية الخرطوم مؤخراً عن مجموعة من القرارات والإجراءات التي تهدف إلى إعادة التنظيم والضبط داخل العاصمة، وهي خطوات تستحق التحليل والنقاش لتأثيرها المحتمل على المشهد الاجتماعي والأمني في الولاية. هذه الإجراءات، التي شملت دعم حملات “الأطواف المشتركة” لضبط الأجانب المخالفين وإزالة السكن العشوائي، وملاحقة المتعاونين مع قوات الدعم السريع، تأتي في سياق محاولات لاستعادة السيطرة وتطبيق القانون والنظام.
إن تأييد الحكومة الكامل لحملات “الأطواف المشتركة” الهادفة إلى ضبط الأجانب المخالفين لقرارات الترحيل خارج الولاية يمكن أن يُنظر إليه كجزء من جهود أوسع لتنظيم الوجود الأجنبي وضمان امتثال المقيمين للقوانين المحلية. ففي أي مدينة كبرى، يمثل ضبط أوضاع المقيمين غير الشرعيين أو المخالفين تحدياً أمنياً وتنظيمياً، وإذا ما تم هذا الإجراء بشفافية وعدالة ووفقاً للقوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، فقد يسهم في تخفيف الضغط على الخدمات والبنية التحتية، وتدعيم الأمن العام. ومع ذلك، من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة تجنب أي شكل من أشكال التمييز أو المعاملة القاسية، وضمان احترام كرامة جميع الأفراد، أجانب كانوا أم مواطنين.
في السياق ذاته، تأتي جهود إزالة السكن العشوائي كخطوة ضرورية لاستعادة التخطيط العمراني السليم وتوفير بيئة حياة منظمة وآمنة للمواطنين. السكن العشوائي غالباً ما يفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية ويشكل تحدياً كبيراً في توفير البنية التحتية الملائمة (كالطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي)، فضلاً عن كونه قد يكون بؤرة للمخالفات والتحديات الأمنية. إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة شاملة لا تقتصر على الإزالة فحسب، بل يجب أن تشمل توفير بدائل سكنية كريمة ومخططة للمتضررين، لضمان أن تكون عملية التنظيم تحسيناً لمستوى المعيشة وليس تشريداً.
أما فيما يتعلق بدعم الحكومة لـ “جهود الخلية الأمنية” في ملاحقة المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع، ونشر قوائم المتعاونين للرأي العام، فهذا الإجراء يحمل دلالات أمنية وسياسية عميقة. ففي خضم الصراع، يُنظر إلى ملاحقة من يُعتبرون متعاونين مع الطرف الآخر كإجراء لردع التجسس أو المساعدة اللوجستية للعدو، وكخطوة لاستعادة الثقة في الهياكل الأمنية للحكومة. لكن الإعلان عن نية نشر قوائم المتعاونين للرأي العام يجب أن يتم بأقصى درجات الحذر والدقة، لضمان عدم التشهير بأفراد لم تثبت إدانتهم قضائياً، وتجنب خلق بيئة من الشك والاتهام المتبادل التي قد تزيد من التوتر الاجتماعي وتعيق المصالحة المستقبلية. فالعدالة تتطلب محاكمات عادلة وعلنية للأفراد المتهمين بدلاً من الإدانة الشعبية غير المسبوقة.
في الختام، يمكن القول إن القرارات التي أعلنت عنها حكومة ولاية الخرطوم تشير إلى عزم على إعادة فرض النظام والقانون في الولاية التي عانت طويلاً من فوضى الصراع. لكن نجاح هذه الخطوات مرهون بمدى تطبيقها بعدالة وشفافية، وبما يضمن حقوق الإنسان، وبتوفير الحلول والبدائل المناسبة، خاصة فيما يتعلق بملفي السكن العشوائي والوجود الأجنبي، مع ضرورة الالتزام بالإجراءات القانونية والدستورية في ملاحقة المتهمين لتجنب الانزلاق إلى المزيد من الاستقطاب المجتمعي. إن التنظيم والضبط مطلوبان، لكن لا يجب أن يكونا على حساب العدالة والوحدة الوطنية.











