حوار مثير.. محافظ البنك المركزي يفجر الحقائق عن الجنيه والاقتصاد والحرب ويقطع الطريق على تأسيس

متابعات _ عزة برس
في تصريح لافت اتسم بالسخرية والتحدي، قلّل محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق من جدية الحديث المتداول حول إصدار عملة جديدة من قبل الدعم السريع وما يُعرف بحكومة تأسيس، مؤكداً أن الفكرة “مستحيلة عملياً” ولا تستند إلى أي غطاء قانوني أو بنية مصرفية. وخلال مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية، سخر الصديق من الطرح ووصفه بأنه “انتهى بانتهاء اجتماعات نيروبي”، مشدداً على أن السودان لا يشهد أي انقسام نقدي، وأن الجنيه السوداني هو العملة الوحيدة المعترف بها في البلاد.
في تصريحات حادة أدلى بها خلال مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية، استبعد محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق بشكل قاطع إمكانية إصدار عملة جديدة من قبل قوات الدعم السريع أو ما يُعرف بحكومة تأسيس، واصفاً هذه المساعي بأنها “مستحيلة التنفيذ”. وأكد أن هذا الطرح قد طُوي تماماً عقب انتهاء اجتماعات نيروبي، مشيراً إلى أن الجهات التي تروج له تفتقر إلى الكفاءة الفنية، ولا تمتلك الغطاء القانوني أو البنية التحتية المصرفية اللازمة لإدارة منظومة نقدية مستقلة. وشدد الصديق على أن السودان لا يشهد أي انقسام نقدي، وأن العملة الرسمية الوحيدة المتداولة في البلاد هي الجنيه السوداني، معتبراً أن الحديث عن عملة موازية لا يعدو كونه دعاية سياسية يروج لها معارضون في الخارج.
خسائر الحرب
وفي سياق حديثه عن تداعيات الحرب المستمرة، كشف محافظ البنك المركزي أن الاقتصاد السوداني فقد أكثر من 20% من رأس ماله نتيجة النزاع، مشيراً إلى أن ثروات الشعب التي تراكمت على مدى قرون تعرضت للتدمير، إلى جانب انهيار البنية التحتية الحيوية في مختلف القطاعات. وأوضح أن الحرب لم تقتصر على إضعاف المؤشرات الاقتصادية، بل امتدت لتقويض الأسس التي يقوم عليها النظام المالي الوطني، ما فرض تحديات غير مسبوقة على المؤسسات الاقتصادية في البلاد، وعلى رأسها البنك المركزي.
لقاءات إسطنبول
أعلن الصديق أنه يعتزم المشاركة في دورة البنوك المركزية العربية المقرر عقدها في إسطنبول في السابع والعشرين من أكتوبر الجاري، حيث سيجري لقاءات مع عدد من نظرائه من الدول العربية والإسلامية. وأكد أن الحروب تفرز تعقيدات اقتصادية تتطلب تدخل البنوك المركزية لتقديم الإسناد المالي ودعم الاستقرار الاقتصادي، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر يكمن في إدارة التوازن بين الدور التقليدي للبنك المركزي في دعم النشاط الاقتصادي، وبين الحفاظ على مؤشرات الأداء المالي والاقتصادي ضمن مستويات مقبولة. وأشاد بجهود المؤسسات الوطنية في التعاون مع البنك المركزي لمنع انهيار الاقتصاد، مؤكداً نجاحهم في إعادة تشغيل القطاع المصرفي خلال فترة وجيزة، وتوفير السلع الاستراتيجية دون الضغط على سعر صرف العملة المحلية.
استقرار نقدي
أوضح محافظ البنك المركزي أن السودان تمكن من إعادة إنتاج العملة الوطنية في الخارج بمواصفات تأمينية عالية، وإدخال جزء كبير من الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي، دون أن يؤثر ذلك سلباً على الأداء العام للاقتصاد الكلي. وأشار إلى أن البنك المركزي حافظ على استقرار السوق النقدي رغم الظروف الاستثنائية، مؤكداً أن هذا الإنجاز تحقق بفضل التنسيق المستمر مع الجهات الحكومية المعنية. كما كشف عن استمرار التواصل مع الدول العربية والإسلامية عبر مختلف المنابر والاجتماعات، رغم توقف بعض الوعود بسبب الحرب والمخاطر المرتبطة بالاقتراض، مشيداً بالدعم الإنساني الذي قدمته دول مثل تركيا.
تعاون إقليمي
وفي حديثه عن التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، شدد الصديق على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الراهنة، ووضع خطط بديلة أكثر استقلالية عن النظام المالي العالمي. وأشار إلى أن الدورة المقبلة في إسطنبول ستناقش ملفات محورية، أبرزها التفكك التجاري والمخاطر الجيوسياسية، إلى جانب الأمن السيبراني وحماية الفضاء الإلكتروني المالي للدول الإسلامية. كما ستتناول الاجتماعات حصيلة الجهود العشرية لمنظمة التعاون الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بالأمن الغذائي ومحاربة الفقر، بالإضافة إلى قضايا أخرى ذات صلة بالاستقرار الاقتصادي الإقليمي.
بدائل مستقلة
أقر محافظ بنك السودان المركزي بوجود تحديات ناجمة عن النظام المالي العالمي، في ظل دخول عدد من الدول في تحالفات وتكتلات اقتصادية لمواجهة المخاطر الجيوسياسية. وأكد أن هذه التحولات تستدعي إعادة النظر في العلاقات البينية بين الدول، والدفع نحو تشكيل تجمعات اقتصادية تخدم المصالح الوطنية، لا سيما في ما يتعلق بالأنظمة المالية والتجارة البينية. وشدد على ضرورة إدخال العملات المحلية ضمن منظومة الدفع المالي في المعاملات التجارية العابرة للحدود، واعتمادها كأدوات أكثر استقلالية، بما يسهم في تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية في احتياطيات البنوك المركزية، ويخفض الكلفة التشغيلية للنظم المالية في الدول النامية