
*”مهما بلغ عدد الشهادات وربطات العنق التي يرتدونها، فإنهم لا يزالون مجرد حفنة من القتلة”.. كاميرون هيدسون..!*
أكثر البيوت هشاشة هي التي تبنى على الخوف. والمليشيا – أي مليشيا – لا تحكم إلا بالخوف، لذلك فإن دارفور، بأثقال تاريخها وتعقيدات مجتمعها، لا يمكن أن تصمد طويلًا تحت حكم تحالف تلك المليشيات..!
المليشيات قد تربح بعض المعارك، لكنها لا تستطيع أن تدير حياة الناس. والدولة ليست معسكرات ولا ثكنات، بل أنظمة عقد اجتماعي، وشبكة دقيقة، متداخلة، ومعقدة من القوانين والضمانات والمصالح المشتركة. بينما المليشيات – في جوهرها – نقيض ذلك كله، فهي فقد ولدت أصلاً لتقويض العقد الاجتماعي نفسه. ولهذا فإن أي محاولة لفرضها – كسلطات تحكم دولاً – لن تنجب سوى المزيد من الحروب..!
دارفور ليست أرضاً فارغة يمكن أن تُدار بالسطوة وحدها، إنها فسيفساء من القبائل والتاريخ والجراح والموارد. كل حجر فيها يحكي قصة نزاع قديم، وكل وادٍ يحمل ذاكرة دماء مسفوكة على مذابح التدافع القبلي. والقوة وحدها لا تكفي، بل هي أقصر الطرق إلى انفجار جديد..!
إعلان حكومة المليشيا يعني أن الشرعية لا تأتي من الناس، بل من فوهة البندقية. كل مليشيا سوف تستفز أخرى، وكل محاولة احتكار ستلد مقاومة. إنها معادلة جهنمية، حكم بالقوة يولد تحدياً جديداً بالقوة، وهكذا دواليك..!
من يظن أن دارفور يمكن أن تستقر تحت سلطة تأسيس، يخطئ قراءة تاريخها القريب. فالإقليم جرب حكومات مركزية، وجماعات مسلحة متناحرة، ووسطاء دوليين بلا عدد. وفي كل مرة كان المشهد يعيد إنتاج نفسه. فما بالك إذا اختُزلت الدولة كلها في زي عسكري بلا دستور..!
السؤال الآن ليس هل تنجح تاسيس في الحكم؟. بل كم من الوقت تحتاج لتفشل؟. والفشل هنا ليس احتمالاً بل نتيجة راجحة. معضلة دارفور التاريخية لا تُدار بالانتصار العسكري، بل بالحوار السياسي والاعتراف المتبادل، والعدالة التي تؤسس التعايش وفق عقد اجتماعي جديد. وكل ما عدا ذلك وهم قصير العمر..!
الذين يحكمون بالبندقية يتصورون أن الخوف يكفي لصناعة الطاعة، لكن الخوف – له تاريخ صلاحية – سرعان ما يفقد مفعوله، فلا يبقى سوى الغضب. والغضب في دارفور سريع الاشتعال..!
لقد أطلقت تأسيس ألعابها النارية فوق فوهة بركان غادر، ورغم أنف مجتمع معقد، مليء بالقبائل والتحالفات والجراح القديمة، وكل محاولة لفرض سقوف سلطوية “أو تسليط سيوف سياسية على رقاب الدارفوريين” تعني – ببساطة – دعوة مفتوحة إلى اندلاع حرب الحروب!.
munaabuzaid2@gmail.com