مقال

عصافير البلد بقلم : إبراهيم أحمد الحسن

(1)
كيف تشق المسامع بفرط صوت البندقية ؟
لماذا تهتك جدار الصمت ؟ وتريع السكون ؟ لماذا تربك المشهد الوادع ؟ ثم رفع حميد عقيرته يصيح لماذا تخسر طلقة ؟ ما الذي يستحق ان تفعل من أجله كل ذلك ؟ ثم بتوسل صوفي شفيف سأل حميد صائد العصافير : انت ليش داوش الشجر ؟ يسأل حميد ونحن أناسُ من فرط رقتنا نخاطب الشجر والحجر : اوعك تقطع صفق الشجرة عشان ( ما يجينا جفاف وتصحر / شجرة وشجرة تبقى شجرتين / شجرة وشجرة وشجرة بتعمل غابة ) خاطبنا شجيرة المدرسة وخاطبنا شجر الغابة ، خاطبنا الحجر في المدرسة وخاطبنا الحجر في الغابة عشان ما يجينا جفاف وتصحر .وسأل حميد حسن سالم صائد العصافير : انت ليش داوش الشجر ؟ خسران ! خسران ل طلقة ؟

(2)
لما ؟ ماذا ستجني ؟ ماذا ستكسب ؟عشان زريزيراً قدير دا ؟ والزرزور هو العصفور الصغير والزريزير هو مصغر العصفور الصغير ، فالزريزير متناهي الصغر !! يخاطب حميد صائد العصافير الذي حمل البندقية ووجهها بلا رحمة نحو صدر عصفور صغير : ماذا في هذا العصفور الصغير ؟ مظنة لحم ؟ في حفلة للشواء ؟ كلا ! فأنت حتماً لن تأمن بعد مماته و لن يسمنك بعد اصطياده من جوع ولن يحقق لك الشبع حد التخمة ، هل تخلط لحمه مع مفروكة من البامية أو الملوخية فيضحى وجبة شهية ؟ كلا فإنه لا يصلح لذلك الغرض . إيش ماشي تلقى ؟ لا كبدة نية ، لا في عضيمو سَلّْقَة ! إنك لن تجد فيه كبدة مفطورة تأكلها نية بلا طبخ . بل لن تَرُم عظامك بشوربة شهية من عظامه لانه بلا عظام . ايش ماشي تلقى؟ ،
ايش ماشي تلقى ؟
لا بشبع شية
لا مفروكة يبقى
لا كبدة نية
لا في عضيمو سلقة
(3)
وتبلغ رقة حميد أقصى مداها وهو يحاول أن يُلَّين قسوة صائد العصافير متوسلاً بالحِسْ وبالنَفَسْ ! حِسْ زريزيره ونَفَسَه . من رهافة الحس فيه فإنه يردده مرتين حتى تسمعه ومن نحافة النَفَسْ فيه لا يكتمل إلا بطفقة يصطنعها في حوصلته فينسرب النَفَسْ وتكتمل دور الحياة عنده كاملة نَفَسْ طالع ونازل ( من رهافة حسيسو عِلِّي يطبقو طبقة/ ومن نحافة نفيسو علَّي يدلّي طفقة )
(4)
ما أجمل هذه العصافير التي يتربص بها صائد العصافير وهي غافلة ، تصفق بجناحين من حب وتتعطر بأريج ندي الزهور التي تظلل عالمها ، وتصبح في كامل هندامها كأنها إنسان يريد الخروج في مشوار مهم (يا حلاة عصفورة / تدّي جناحها صفقة / من زهورها عطورها / زي الناوي مرقة )
(5)
ما أجمل هذه العصفورة وحميد يستعطف صائدها راجياً منه عدم إصابة جناحها فيتشتت الريش منها والذي تستخدمه كغطاء من الريح والمطر والزيف وعاصف الزمان ويسأله ان يترك صغار الطير تعيش بلا مشقة ( مش حرام / حت ريش / درق للريح ملقّى / خل صغار الطير / تعيش / من غير مشقّة ).
(6)
ما أجمل هذا العصفور ! وماذا ترتجي وراء إصطياده هل تريد ان تأخذه إلي أطفالك ( الي البطان ) في البيت ليلعبوا به؟ قبل أن تفعل ذلك عليك أن تتذكر : هذا العصفور مثلك لديه كوم من عيال زغب الحواصل تنتظر أوبته إلي البيت ! وإن كان هدفك إشباع هوايتك في ملء الفراغ فإن لديك ما هو أهم ، إملأ فراغك بمواصلة أرحامك . وتعلم من النمل تتبع دربها وعندها ستعلم انه ليس لها ولك من ملجأ غير الله .
( لو مرادك للبطان / فِرِّيق وفِرجة / عندو زيك كوم عيال / حارسالُو ترجى … إن فراغ ما تملأ /بالأرحام وتَنْجَى / قُصْ دريب النملة / وين غير الله مَلّْجأ ؟ )
(7)
ما أجمل هذا العصفور أنظر اليه هل تُعجبك ألوانه الزاهية؟، ما أجمل ألوانه وهو فوق الأغصان حر طليق يغني ويغرد ، تأمل هذه الألوان ما أجملها وما أسمحها فوق عصفور طلبق (ولاَّ عاجبك مرّة لونو ؟ لونو فوق أغصانو / مي أسمح )؟
(8)
ما أجمل هذا العصفور وهو يحلق بلا قيود ، يقول حميد مخاطباً صائد العصافير أن بهاء الطير يكتمل في تحليقه حُراً في السماء وليس مقيد مهيض الجناح . يقول له ها هو الصباح قد أطل ، قم انظر الطير صلى ثم سبح انظر الي النسيم يداعب أغصان الورود وقد تفتحت بالشوق أفواهها ، وتستبد البلاغة بحميد فتبلغ مداها عند وصف أغصان الورود وكانّها تستاك وتنظف أسنانها بعطر النسيم ، فيختلط دعاش النسيم بأريج الورود ويصبح الكون حول صائد العصافير كقارورة عطر .
(سِرْ بهاء الطير / بين سماهو .. / ما هو بين إيدين مجنَّح / الصباح يا دابو / أصبح /بالله صلّّى ، الطير وسبح/ والنسيم سوَّك غصينات الورود / الشوقها فتّح )
(9)
ما أجمل هذا العصفور ، فإن كنت تطمع من وراء اصطياده الإستمتاع بصوته الصداح وهو حبيس قفص عندك . يخاطب حميد صائد العصافير ، فإن عصفورك هذا يصدح يومياً ويغرد في شاهقات أشجاره حراً طلبقاً . وان كنت تريد إسكات صوته هذا تأكد تماماً انك لو فعلت ! فإن الكون كله سينبح فهل تريد إبدال التغريد والصوت الشحئ بالنباح والعويل.
( إن بقيت طمعان في صوتو ؟ ما هو يومي على الله يصدح / وإن بقيت /كايس سكوتو / ِعند سكوتو / الكون بينبح )
حميد قال لنا لا تخرسوا جمال صوت العصافير حتى لا يعلو قُبح النباح ويعم الكون الأصوات النشاذ .
(10)
ما أجمل هذه العصافير . ما أجملها فهي مثل كل خلائق الله.. زَيِّ زَيّْك وزَيَّهم لديها احباب وبيت .تغدو خماصاً وتعود بطان ، تعود الي أعشاش أفراخ ب ذي مرخٍ في البلد زغب الحواصل لا ماء ولا شجر فإن اصطدناها صمت التغريد وعم النباح ! لا خير في صائد العصافير وفينا ، ونحن فينا من (لم نؤثره إذ قدمناه لها/ لكن لأنفسنا كانت له الخير ).
وكما قالت روضة الحاج : (آخر التطواف في الدنيا ) قالها محمد الحسن سالم حميد (صرة في خيط عصافير البلد) : (إنتظر !! وفِّر رصاصك / خَلِّ عصافير الله تمرح) !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *