
الثلاثاء / 29 / يوليو / 2025م
في يومٍ من أيام العزّة والكرامة، تشرفتُ بزيارة أحد أجسام قواتنا المسلحة الباسلة، في منطقة سِركاب – جهاز الأمن والمخابرات العامة قيادة متحركات أسود العرين.
وكان في استقبالي قائد متحركات اسود العرين سعادة العميد حافظ يوسف، القائد الشجاع، الذي واجه الموت بثبات، وخاض المعارك بقلـب لا يعرف التراجع، حتى أصيب وهو يقاتل بعزة الرجال وأمانة الجنود الصادقين…
فكانت إصابته وسامًا على جبينه، ودليلًا حيًّا على صدق العهد.
وكان الاستقبال والترحيب في غاية الكرم، ضيافة سودانية أصيلة، تعكس جوهر هؤلاء القادة…
جزاه الله خير الجزاء، وتقبّل منه جهده وجهاده.
بعد ذلك، التقيت بالأخ الفاضل العقيد عابدين العوض، مدير شعبة التوجيه المعنوي بأسود العرين… رجلٌ جمع بين التواضع والقيادة، والوقار والنباهة، استقبلنا بصدرٍ رحب ووجهٍ بشوش، كما يليق بجنود هذا الوطن الذين طابت أرضه بهم.
مقبرة الشهداء… أرض العز والخلاص
ثم مضينا إلى مقبرة الشهداء… حيث ترقد أجساد طاهرة، وأرواح حلّقت إلى ربها في أعلى عليين.
إنها الأرض التي احتضنت أبطالًا… هم من كانوا اللبنة الأولى والنواة القوية لمتحركات أسود العرين، تلك التي فكّت الحصار عن المهندسين ومبنى الإذاعة، وأسهمت في صنع صمود أسطوري لقواتنا في سوق أم درمان.
هؤلاء الشهداء شاركوا في أشرس المعارك:
الإذاعة، السوق العربي، سنار…
قاتلوا بشرف، وضحّوا بلا تردد… كل ذلك في سبيل الله، ثم الدين، والعرض، والوطن.
—
🕊 وقفة تأمل أمام الصمت العظيم
وقفت أمام القبور، بين الصفوف المتراصة من الشهداء…
لم تكن مقبرة فحسب، بل كانت سِجلًّا مقدسًا للبطولة…
كنت أشعر كأنّ الأرواح لا تزال هناك، تحرس الوطن بنورها الخفيّ، وتبث فينا العزم والإيمان.
قلت في نفسي:
“لولا الله، ثم هؤلاء… ماذا كان سيكون مصير هذا الشعب؟”
في لحظةٍ كاد فيها الأمل أن يُغتال، وقف هؤلاء يسدّون الثغور، ويبذلون أرواحهم لتبقى راية السودان خفّاقة.
—
لحظةٌ تهزّ القلوب…
رأيت وردةً نضرة على أحد القبور…
سألت عنها، فقيل لي:
“طفلة صغيرة جاءت لزيارة والدها الشهيد، فوضعت وردتها بيديها الرقيقتين…”
آهٍ يا قلب…
كم من معانٍ سكنت تلك الوردة:
حنين، وفاء، فخر، وحب لا يُقاس بالكلمات.
كانت رسالة من الجيل القادم إلى الجيل الذي رحل:
“نم مطمئنًا يا أبي، فإن دمك لم يُهدر، بل صار نورًا على طريق الأحرار.”
—
ملحمة لن تُنسى
رغم الألم، رغم المحنة، رغم التآمر الكبير…
فشل المخطط، وسقطت كل المؤامرات، بفضل الله أوّلًا، ثم بصمود شعبٍ التفّ حول جيشه.
لم أقرأ في كتب التاريخ عن لحظة توحّد فيها الشعب السوداني بهذا الشكل الفريد، كما توحد في معركة الكرامة.
إنه التلاحم الحقيقي… بين الأرض وأهلها، بين الجنود ومنازلهم، بين الرصاصة والدعاء.
—
🕯 شهداؤنا… مشاعل لا تنطفئ
شهداء معركة الكرامة هم وسام فخرٍ يزين جبين الوطن،
هم الصفحة الأصدق في كتاب التاريخ السوداني،
وهم الشعلة التي ستنير دروب الأجيال القادمة بإذن الله.
فلنُجدد الوفاء لهم،
ولنرفع الدعاء لأرواحهم،
ولنقف احترامًا وإجلالًا لأبطالٍ كانوا جدار الصدّ الأخير في زمن الانكسار.
—
التحية لكم…
إلى كل أفراد القوات المسلحة السودانية،
إلى المجاهدين الصادقين،
إلى أسود العرين وكل من لبّى نداء الواجب…
أنتم حماة الوطن، ودرعه الحصين، وشرفه الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
—
أبو فاطمة عمار حسن
الثلاثاء / 29 / يوليو / 2025م