
هذه القضية تثير قلقاً بالغاً بشأن الشفافية والنزاهة، إذ تكشف وثائق حصرية عن شبكة معقدة من الثغرات القانونية وشبهات الفساد والتحايل الجمركي المتعلقة باستيراد وتوزيع منتجات هواتف “هونر” الذكية في السودان. وهى من نوع الممارسات، التي قد تُكبد الخزينة العامة خسائر وتُهدد الأمن الاقتصادي للبلاد، وبالضرورة تستدعي تدخلاً عاجلاً وحاسماً من أعلى المستويات الحكومية، بما في ذلك رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، والسلطات المختصة.
ثمة مستندات تفويض مزعومة، بناءً عليها استفادت شركة سودانية محلية من خصومات جمركية تُقدر بنحو 30% وتسهيلات جمركية ورخص اتصالات، في ظروف تفتقر إلى الوضوح والشرعية. التحقيق في هذه الوثائق يكشف عن تناقضات صارخة تُشير إلى تلاعب محتمل بالقوانين الجمركية والتجارية.
من المستفيد الحقيقي؟
تُظهر المستندات ثلاثة مستويات من التفويض التي تفتقر إلى الاتساق والشرعية الواضحة:
* المستند الأول: صادر من “Honor International FZCO” في دبي إلى “Telling Telecom (HK)”، ويغطي الفترة من 7 مايو 2024 إلى 6 مايو 2025.
* المستند الثاني: صادر من “Telling Telecom (HK)” إلى “OTT PAY HK”، للفترة من 23 أغسطس 2024 إلى 6 مايو 2025.
* المستند الثالث: صادر من “OTT PAY HK” إلى “MST Trading L.L.C دبي”، للفترة من 28 أغسطس 2024 إلى 6 مايو 2025.
المثير للريبة هنا هو أن شركة “M.S.T Trading CO_ LTD” السودانية، التي تستفيد من هذه التسهيلات، لا تظهر كطرف مباشر في أي من هذه التفويضات. هذا يثير تساؤلات جدية:
* هل تعمل “M.S.T Trading CO_ LTD” كواجهة لشركات أجنبية؟ في حال صحة ذلك، فإن هذا يُعد تسترًا على أنشطة تجارية لكيانات أجنبية تهدف للاستفادة من امتيازات تُمنح حصرياً للشركات الوطنية أو الجهات الحكومية، مما يُعد تحايلاً واضحاً على القوانين السودانية.
الفجوة الزمنية المقلقة
تُظهر المستندات فجوة زمنية حرجة بين مايو وأغسطس 2024، حيث لا يوجد تفويض ساري المفعول لـ “OTT HK” أو “MST Trading L.L.C”. هذا يطرح تساؤلاً حول شرعية أي عمليات استيراد أو توزيع تمت خلال هذه الفترة، وإذا ما كانت “Telling HK” هي الموزع الفعلي للسودان حينها، وهل يحق لها تحويل هذا التفويض لأطراف ثالثة ورابعة بهذه الطريقة؟ هذا السلوك يُعد نموذجاً للتحايل الجمركي والتستر.
في وقتٍ أيضاً يكشف التحليل القانوني للتفويضات عن خروقات جسيمة قد تُصنف كـ “تهريب جمركي بالمستندات”:
* التفويضات الفرعية غير المصرح بها (Sub-delegation):
* المستند الأول من “هونر” لا يمنح “Telling” الحق في تفويض أطراف ثالثة.
* المستند الثاني من “Telling” لا يخول “OTT” تفويض “MST Trading L.L.C”.
* الخطر: هذه التفويضات الفرعية (OTT ← MST) باطلة قانوناً، مما يجعل عمليات الاستيراد التي قامت بها “M.S.T Trading CO_ LTD” تندرج تحت خانة التهريب الجمركي.
من المهم كذلك الإشارة إلى أن التفويضات تقتصر على التوزيع داخل السودان فقط، لكن الشركات المفوضة (MST Trading L.L.C في دبي، وOTT وTelling في هونغ كونغ) لا تملك تصريحاً صريحاً من السلطات السودانية. وهذا يفتح الباب أمام “التحايل على القوانين الجمركية” من خلال مسارات شحن غير موثقة.
* التهرب من مسؤولية التراخيص
تلزم تلك المستندات بالحصول على التراخيص، لكنها لا تحدد الطرف المسؤول في سلسلة التفويض المعقدة هذه (أربعة مستويات). هذا الفراغ القانوني يُمكّن الأطراف من التهرب من التزامات مثل تراخيص شبكات الاتصالات، مما قد يعرض عمليات الاستيراد للمصادرة.
بينما يمنح التفويض الأصلي من “هونر” لـ “Telling” صلاحية مساعدة السلطات فقط، فإن “Telling” و”OTT” منحتا صلاحيات لمكافحة التقليد لـ “MST Trading L.L.C” دون تفويض أصلي. هذا يُعد تعدياً صارخاً على صلاحيات السلطات السودانية.
إهدار للموارد الوطنية
تتجاوز هذه القضية مجرد المخالفات الإجرائية، لتصل إلى إهدار مباشر للموارد الوطنية
* غياب التواقيع والأختام: يضعف القيمة الإثباتية للمستندات في أي نزاع قضائي مستقبلي.
* عدم توافق عنوان “MST Trading L.L.C” (دبي) مع نطاق التفويض (السودان): هذا يعني أن الشركة تحتاج لترخيص فرعي من السلطات السودانية، وهو غير متوفر.
* استمرار الاستيراد بعد انتهاء التفويض: يُشير ذلك إلى إمكانية استمرار عمليات غير مرخصة بعد تاريخ 6 مايو 2025، مما يعني استمرار الاستفادة غير المشروعة من التخفيضات الجمركية. والسؤال المهم لماذا تخفيضات جمركية بالأساس، وهى ليست شركة دواء ولا غذاء ولا طاقة شمسية تحتاج إليها المستشفيات والجماعات؟!
دعوة عاجلة للتحقيق
إن خطورة هذه القضية تستدعي تدخلاً فورياً وحاسماً من أعلى المستويات الحكومية في السودان، حتى وإن بدت صغيرة، فهى ثغرة في الحق العام، وبالتالي نُناشد رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، ووزير الداخلية، لإصدار التوجيهات اللازمة للهيئة العامة للجمارك وهيئة الاتصالات السودانية للتحقيق الشامل في هذه المزاعم واتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة، إلى جانب تعليق فوري لتراخيص استيراد منتجات “هونر” المرتبطة بـ “MST Trading L.L.C DUBAI” و”OTT PAY HK” و”TELLING HK”. هذه الشركات، الأجنبية وغير المسجلة بشكل قانوني في السودان بصفتها وكلاء، لا يحق لها تحديد سياسات تجارية أو جمركية أو منح توكيلات داخل البلاد.
* تدقيق شامل ومراجعة جميع شحنات شركة “M.S.T Trading CO_ LTD” المستوردة خلال الفترة من مايو إلى أغسطس 2024. يجب التحقق مما إذا كانت هذه الشحنات قد استُخدمت لاستيراد أجهزة أخرى لشركات منافسة مثل سامسونج وهواوي وريلمي، أو أجهزة مقلدة، مع التستر والاستفادة من غطاء التخفيض الجمركي والتوكيل المزعوم. يجب حجز أي شحنات غير مثبتة بشكل قانوني.
* مراجعة دقيقة لجميع شحنات منتجات “هونر” التي خُلصت جمركياً عبر “M.S.T Trading CO_ LTD” للاستفادة من الخصم الممنوح لها بوصفها وكيلاً مزعوماً، خاصة وأن الشركة غير ممثلة ومعروفة لدى “هونر” الشرق الأوسط أو الفرع الرئيسي كوكيل أو موزع معتمد.
* الطلب الرسمي من شركة “هونر” الأم (مقر دبي) لإفادة كتابية فورية بشأن شرعية سلسلة التفويض، وتقديم نسخ موقعة من العقود الأصلية لجميع الأطراف المعنية.
* التنسيق الفوري مع سلطات الاتصالات السودانية للتحقق من تراخيص شبكات الاتصالات الخاصة بأجهزة “هونر” المستوردة، والتأكد من أن الاستيراد يتم عبر جهات مرخصة قانونياً وممثلة في مستندات التفويض الرسمية.
إن حماية الاقتصاد الوطني ومنع الفساد يتطلب يقظة وحزماً، كما أن هذه القضية تُشكل اختباراً حقيقياً لمدى فعالية الأجهزة الرقابية والتزام الحكومة بمكافحة الفساد وحماية مقدرات البلاد.
نواصل