تقرير

الزواج الرقمي… تحولات في علاقات الشباب السوداني

متابعات _ عزة برس

تشهد المجتمعات السودانية تغيرات عميقة في أنماط التواصل والعلاقات الاجتماعية، خاصة في أوساط الشباب في ظل التحولات الرقمية المتسارعة والتوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، تناول برنامج “قضايا الشباب” عبر راديو دبنقا ظاهرة لجوء الشباب السوداني إلى الوسائط الإلكترونية في بناء علاقات عاطفية واختيار شريك الحياة، مستضيفًا الناشطة المدنية الدكتورة أضواء الحسيني إسماعيل للحديث عن الأبعاد الثقافية والاجتماعية والدينية لهذه الظاهرة المتنامية.

الضغوط المجتمعية تدفع نحو التعارف الرقمي
أوضحت الحسيني أن الضغوط الاجتماعية، وخصوصًا تلك الواقعة على الفتيات، تُعد من المحركات الرئيسية للجوء إلى العلاقات عبر الإنترنت، مشيرة إلى أن الصورة النمطية المرتبطة بالزواج في عمر مبكر تؤدي إلى شعور عام بالإلحاح والضغط النفسي، ما يدفع كثيرين إلى استخدام الوسائط الرقمية كمسار بديل لتحقيق الاستقرار العاطفي.

نجاحات محدودة ومخاطر محتملة
وأكدت الحسيني أن نجاح العلاقة لا يعتمد على وسيلة التعارف، بل على مصداقية الطرفين وتوافقهما، مشيرة إلى وجود حالات لزيجات ناجحة بدأت عبر الإنترنت. لكنها نبهت إلى أن هذه الوسائل تنطوي على مخاطر كبيرة، أبرزها سهولة التلاعب بالمعلومات والصور، مما يُصعّب التقييم الواقعي للشخص الآخر، ويُعرض الطرفين لخيبات محتملة لاحقًا.

قبول مجتمعي متفاوت وتحفظات أسرية
وفيما يتعلق بتقبّل المجتمع السوداني لهذا النمط الجديد من العلاقات، أوضحت الحسيني أن المواقف تتفاوت بحسب البيئة والمستوى الثقافي، إلا أن الطابع المحافظ يهيمن على غالبية الأسر، التي غالبًا ما تتعامل بريبة مع العلاقات التي تنشأ عبر وسائل التواصل، خوفًا من أن تكون غير جدية أو غير مطابقة للمعايير التقليدية للزواج.

منظور شرعي: الإباحة بضوابط
من الناحية الشرعية، أكدت الحسيني أن الأصل في الأمور هو الإباحة، ما لم يترتب عليها ضرر أو خداع. وأضافت أن وسائل التواصل يمكن أن تكون مدخلًا لعلاقة مشروعة إذا أدارها الطرفان بوعي والتزام، محذرة في الوقت ذاته من الكذب الذي يُعد انتهاكًا أخلاقيًا وقد يُفضي إلى حرمة الزواج من الناحية الدينية.

إيجابيات التلاقي الرقمي وتحديات التزييف
وفي تقييمها للفرص التي توفرها الوسائط الإلكترونية، قالت الحسيني إن هذه الأدوات قرّبت بين أشخاص قد لا تجمعهم بيئات اجتماعية أو جغرافية مشتركة، ما يفتح المجال لتعارف أكثر تنوعًا وتبادل فكري عميق. لكنها شددت على أن أبرز التحديات تكمن في إخفاء السمات الحقيقية للشخصية والمظهر، مما يؤدي إلى صدمة واقعية بعد الانتقال إلى العلاقة الفعلية.

دعوة للوعي والنضج في اختيار الشريك
وفي ختام اللقاء، وجهت الحسيني رسالة مباشرة إلى الشباب السوداني، دعتهم فيها إلى الوعي بمشروع الزواج باعتباره مسؤولية إنسانية كبرى، لا يجب أن يُخضع لضغوط اجتماعية أو تقليد سطحي. وقالت:

“علينا أن نعرف أنفسنا أولًا، لنعرف ما نحتاجه، ثم نختار شريكًا حقيقيًا يتوافق معنا، لا مجرد صورة مثالية خلف الشاشة.”

وتأتي هذه النقاشات وسط تزايد حضور الوسائط الإلكترونية في الحياة اليومية، ما يعكس تحولات اجتماعية عميقة تستدعي قراءة نقدية ووعي مجتمعي لمواجهة التحديات، والاستفادة من الفرص التي توفرها هذه الوسائل الحديثة في بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام والتفاهم

دبنقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *