
كلما طال أمد الحرب في السودان، بين أبطال القوات المسلحه ومليشيا آل دقلو، كلما ازداد الحزن عمقا، واشتد الضيق على الناس. فليس هناك ما هو أقسى من أن ترى وطنك يستنزف بين موت ودمار، وأن ترى شعبك يطارد بين نزوح وتشريد. حرب لا تفتك بالارواح فقط، بل تسرق اللقمة من افواه الجوعى.
ورغم كل هذا، يبقى السوداني شامخا، كريما، عزيز النفس، حتى في أقسى الظروف.
وقد وجدت ايادي الخير ابوابا مفتوحة في بعض الدول الشقيقة، وعلى راسها جمهورية مصر العربية، التي احتضنت أبناء السودان بقلب كبير، ووفقت أوضاعهم، وخففت عنهم وطاة الترحال. فلكم منا كل الشكر والعرفان، ومن الله كل الجزاء والخير، حفظكم الله آمنين مطمئنين.
في قلب القاهرة، حيث الأمل يولد من رحم الضيق، ظهرت مبادرات سودانية تنبض بالحب والانتماء، مبادرات انسانية صادقة مثل “إسناد”، “وادي النيلين”، و”مقرن النيلين”، تسعى كلها إلى سد بعض من فجوة الحوجة، واحتضان المحتاج في لحظات الانكسار.
رزت أهم المؤسسات الطبية السودانية العاملة بالقاهرة، وهي مؤسسة “وايد كير”. هذه المؤسسة تجسد المعنى الحقيقي للعطاء، حيث تقدم فيها الخدمات الطبية المجانية بروح الوطن، وبقلوب تمتلئ حبا وحنانا.
المبنى يتكون من أربعة طوابق، وهو الفرع الثاني بعد نجاح الفرع الأول. وهناك، التقيت عددا من الأطباء السودانيين، الذين يعملون في صمت، مبتسميين بشوشيين . تحدثت مع الدكتور علي، المشرف على المؤسسة، والدكتور شهاب (أخصائي أنف وأذن وحنجرة)، والدكتورة هند محجوب (اختصاصية باطنية)، والدكتورة يسرا (نساء وولادة). وكان حديثهم مليئا بالايمان بالرسالة، وروح التطوع، والانتماء للسودان، حيث قالوا ان عملهم لا يقتصر على القاهرةفقط بل سبق أن نظموا أياما علاجية مجانية في الاسكندرية أيضا.
كما انهم يشاركون في البازارات لتقديم المقابلات والاستشارات الطبيه المجانيه واخرها كان بازار نقطة ضوء في مدينه نصر بالقاهرة
خرجت من هناك والدمع في عيني، لكن راسي كان مرفوعا بفخر:
“هذا هو السودان… وهؤلاء هم السودانيون.”
أهل العزة، الكرامة، والوفاء، حتى في الغربة، لا ينسون أن يخدموا أهلهم.
أمنيتي الصادقة، أن يلتقط رجال الأعمال السودانيون قفاز المبادرات، وأن يدعموها من باب المسؤولية المجتمعية، لا من باب التفضل، فالخير لا يمنح بل يشارك.