المقالات

شيء للوطن.. م.صلاح غريبة يكتب : بورتسودان: من بوابة إقليمية إلى منارة بحرية تنافسية

Ghariba2013@gmail.com

تزخر منطقة البحر الأحمر بإمكانات اقتصادية هائلة، ولطالما كانت بورتسودان، بحكم موقعها الاستراتيجي، بوابة السودان وشريانه الحيوي على العالم. الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، إلى ميناء بورتسودان وما تلاها من تصريحات، تؤكد رؤية طموحة لتحويل هذا الميناء من مجرد منفذ تجاري إلى قطب اقتصادي وبحري إقليمي قادر على المنافسة بقوة. هذه الرؤية، التي تولي اهتمامًا خاصًا لتطوير البنية التحتية للميناء، والتركيز على مفهوم “صفر انتظار” للسفن، وتوسيع آفاقه لتشمل سياحة اليخوت والغوص، تعد خطوة حاسمة نحو تحقيق التنمية الشاملة.
إن تأكيد رئيس الوزراء على ضرورة بذل أقصى الجهود لجعل ميناء بورتسودان منافسًا على مستوى حوض البحر الأحمر ليس مجرد شعار، بل هو دعوة للعمل الجاد وتحديد أولويات واضحة. فالمنافسة في هذا الحوض الحيوي تتطلب استثمارات ضخمة في تحديث المعدات وتطوير الكفاءات البشرية، وتطبيق أحدث التقنيات اللوجستية. وعودة رئيس الوزراء برفقة والي ولاية البحر الأحمر، الفريق ركن مصطفى محمد نور، على سير العمل بالميناء الجنوبي وميناء (دما دما) يكشف عن اهتمام مباشر بالتفاصيل التشغيلية ووضع اليد على الاحتياجات الحقيقية.
يُعد تحقيق “صفر انتظار” (zero waiting time) للسفن الداخلة إلى حوض الميناء هدفًا استراتيجيًا ذا أهمية قصوى. فهذا المفهوم لا يعني فقط تسريع حركة التجارة وتقليل التكاليف على الشركات والمستوردين، بل يعكس أيضًا كفاءة تشغيلية عالية وقدرة على إدارة التدفقات البحرية بكفاءة. وتعهد الحكومة بتوفير الاحتياجات اللازمة من قطع الغيار وغيرها لتحقيق هذا الهدف، يعد دليلاً على جدية التوجه نحو تحسين الأداء ورفع مستوى الخدمات المقدمة. هذا التوجه سيجعل من بورتسودان خيارًا جذابًا للخطوط الملاحية الدولية، مما يعزز مكانتها كمركز لوجستي إقليمي.
ولكن الطموح لا يتوقف عند الجانب التجاري واللوجستي. فالإشارة إلى الاهتمام بسياحة اليخوت وسياحة الغوص والغطس تفتح آفاقًا جديدة ومتنوعة للاقتصاد السوداني. فالبحر الأحمر يشتهر بجماله الطبيعي الفريد وشعابه المرجانية البكر التي تجذب عشاق الغوص من جميع أنحاء العالم. تطوير هذه الأنماط السياحية يتطلب بنية تحتية متكاملة تشمل مرافق لليخوت، وخدمات سياحية متخصصة، وضمانات أمنية، إلى جانب حملات تسويقية دولية فعالة. الاستثمار في هذا القطاع سيخلق فرص عمل جديدة، ويزيد من تدفق العملات الأجنبية، ويسهم في تنويع مصادر الدخل القومي.
إن ما أشار إليه المهندس راشد عبد الرحمن أحمد، مدير هيئة الموانئ البحرية بالإنابة، من أن هذه الزيارة تعكس اهتمام رئاسة مجلس الوزراء بـ “الأذرع الاقتصادية المهمة بالبلاد” وتمنح “دافعًا كبيرًا للهيئة التي تعتبر من أكبر الدعامات الاقتصادية القومية”، يؤكد على أهمية الدور المحوري للموانئ في تعزيز الاقتصاد الوطني. هذا الاهتمام ليس مجرد دعم معنوي، بل هو التزام حكومي بتقديم الدعم المادي واللوجستي اللازم لتطوير هذه المؤسسة الحيوية.
في الختام، إن رؤية تطوير ميناء بورتسودان لتصبح منارة بحرية منافسة على مستوى حوض البحر الأحمر، مع التركيز على الكفاءة التشغيلية من خلال “صفر انتظار” وتوسيع الآفاق لتشمل سياحة اليخوت والغوص، هي رؤية شاملة وواقعية. تحقيق هذه الرؤية يتطلب استمرار التنسيق بين الحكومة والهيئة، وتوفير الاستثمارات اللازمة، والعمل بروح الفريق الواحد. فبورتسودان ليست مجرد مدينة ساحلية، بل هي بوابة السودان نحو المستقبل، ومحور أساسي للتنمية الاقتصادية المستدامة التي تطمح لها البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *