المقالات

شيء للوطن.. م.صلاح غريبة يكتب : ازدهار المبادرات السودانية في مصر: استجابة طبيعية لظرف استثنائي


Ghariba2013@gmail.com

في أوقات الأزمات والتحديات الكبرى، تبرز الحاجة الماسة إلى التفكير الخلاق والحلول غير التقليدية. هنا يأتي دور المبادرات الابتكارية، التي تمثل شرارة الأمل والقدرة على التكيف والتغلب على الصعاب. إنها ليست مجرد أفكار عابرة، بل هي مشاريع واعية ومنظمة تسعى إلى تحقيق تأثير إيجابي ومستدام في مجتمع معين أو في قضية محددة.
المبادرة الابتكارية الحقيقية تتميز بالجدة والأصالة في الفكرة أو في طريقة تنفيذها، وتسعى إلى تلبية احتياجات حقيقية بطرق فعالة ومستدامة. إنها تنبع من حس المسؤولية والشعور المشترك بالتحديات، وتتجاوز الرغبة الفردية لتحقيق منفعة عامة.,
لا شك أن تدفق أعداد كبيرة من الأفراد والأسر السودانية إلى مصر بعد الحرب المؤسفة قد أفرز طاقة هائلة من العطاء والرغبة في المساعدة. إن رؤية أفراد من الجالية السودانية يبادرون بتقديم الدعم والخدمات لإخوانهم لهو أمر يدعو للفخر والتقدير. هذه المبادرات تعكس أصالة الشعب السوداني وتكاتفه في أوقات الشدة.
ومع ذلك، فإن هذا الزخم الكبير يستدعي ضرورة التنظيم والتنسيق لضمان تحقيق أقصى استفادة وتجنب الازدواجية وتشتيت الجهود. إن إنشاء إدارة متخصصة للمبادرات في السفارة السودانية تحت إدارة اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب خبير الكوارث والأزمات وإشراف مباشر من سعادة السفير لهو خطوة مباركة ومؤشر على الوعي بأهمية هذا التنظيم.
لتنظيم وتوحيد المبادرات وفرز الهادف منها بعيدًا عن الأغراض والأهواء الشخصية، يمكن اتباع خطوات ومنها وضع رؤية ورسالة وأهداف واضحة، الرؤية يجب أن تعبر عن الطموح المستقبلي المشترك للمبادرات، مثل “مجتمع سوداني متماسك ومكتفٍ ذاتيًا في مصر”، والرسالة تحدد الغرض الأساسي من وجود هذه المبادرات، مثل “توفير الدعم الشامل والتمكين المستدام لأفراد الجالية السودانية المتضررين في مصر من خلال مبادرات مبتكرة وفعالة”، والأهداف، يجب أن تكون محددة وقابلة للقياس والتحقيق وذات صلة ومحددة زمنيًا (SMART). يمكن أن تشمل أهدافًا مثل “توفير الإغاثة العاجلة لـ 100 أسرة خلال شهر”، أو “تأهيل 50 شابًا سودانيًا لسوق العمل خلال ستة أشهر”.
تقوم الإدارة المتخصصة في السفارة بإنشاء سجل مركزي لجميع المبادرات القائمة، يتضمن معلومات تفصيلية عن أهدافها ونطاق عملها والفئات المستهدفة والجهات القائمة عليها. مع وضع معايير واضحة لتسجيل المبادرات لضمان الشفافية والمساءلة.
يجب وضع معايير موضوعية لتقييم مدى فعالية المبادرات وأثرها، ومدى توافقها مع الرؤية والرسالة والأهداف العامة، ويمكن أن تشمل هذه المعايير. الحاجة والأهمية وهل تلبي المبادرة حاجة حقيقية وملحة لدى أفراد الجالية، والابتكار والإبداع، هل تقدم المبادرة حلولًا جديدة أو طرقًا مبتكرة للتنفيذ؟ ، الاستدامة والأثر، وهل للمبادرة تأثير طويل الأمد؟ وهل يمكن قياس هذا الأثر؟، الكفاءة والفعالية، وهل يتم استخدام الموارد بكفاءة لتحقيق الأهداف؟ والشفافية والمساءلة، وهل هناك آليات واضحة للمتابعة والتقييم؟، بجانب التوافق مع القيم والأخلاق، وهل تتوافق المبادرة مع القيم والأخلاق العامة للجالية؟ والبعد عن الأغراض الشخصية وهل تخدم المبادرة مصلحة عامة واضحة؟ وهل هناك تضارب في المصالح؟
يجب على كل مبادرة واعدة تطوير خريطة تدفق واضحة تحدد الخطوات الرئيسية للتنفيذ، والموارد المطلوبة، والجهات المسؤولة، والجداول الزمنية، ويمكن استخدام أدوات إدارة المشاريع الحديثة لتسهيل هذه العملية وأن تتضمن خرائط التدفق آليات للمتابعة والتقييم المرحلي لضمان السير في الاتجاه الصحيح.
يمكن إنشاء منصة (سواء كانت مادية أو رقمية) تجمع ممثلي المبادرات المختلفة للتواصل وتبادل الخبرات والتنسيق فيما بينهم، ويمكن من خلال هذه المنصة تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز قدرات القائمين على المبادرات.
يجب أن تكون هناك قنوات واضحة للتواصل بين الإدارة المتخصصة في السفارة والمبادرات المختلفة وأفراد الجالية، ويمكن نشر تقارير دورية عن أنشطة المبادرات وإنجازاتها والتحديات التي تواجهها. ويمكن للسفارة والمبادرات الناجحة بناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية والجهات الحكومية ذات الصلة لتعزيز الدعم وتوسيع نطاق العمل.
فرز المبادرات بعيدًا عن الأغراض والأهواء الشخصية، وهذا هو التحدي الأكبر، ويتطلب تطبيق المعايير الموضوعية بحزم وشفافية. يجب التركيز على الأثر الحقيقي للمبادرة على أرض الواقع، ومدى خدمتها للمصلحة العامة للجالية السودانية. أي مبادرة يتبين أنها تخدم أغراضًا شخصية أو لا تلتزم بالمعايير الموضوعية يجب توجيهها أو استبعادها بشكل مسؤول.
إن المبادرات الابتكارية التي يقودها أفراد الجالية السودانية في مصر تمثل قوة دافعة هائلة للتخفيف من آثار الأزمة وتقديم الدعم للمحتاجين. من خلال التنظيم والتنسيق ووضع رؤية واضحة ومعايير موضوعية للتقييم، يمكن تحويل هذه الجهود الفردية إلى عمل جماعي مؤثر ومستدام يخدم مصلحة الجالية بأكملها بعيدًا عن أي أغراض أو أهواء شخصية. إن الدور القيادي للسفارة السودانية في هذا المجال حيوي لضمان تحقيق هذه الأهداف النبيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *