تقرير

3,700 طن صمغ عربي تختفي تحت حماية السلاح

نيالا _ عزة برس

تلاشت آمال حسين سليمان، تاجر الصمغ العربي في الضعين بولاية شرق دارفور، في الحصول على عائد من بيع مخزونه من السلعة لترحيل أفراد أسرته إلى مصر بعد انهيار أسعارها نتيجة لعدة عوامل لا يستطيع فعل شيء إزاءها.

تحدث التاجر لـ”دارفور24″، أثناء جلوسه أمام متجره في سوق المحاصيل بمدينة الضعين، متمسكًا بعدم بيع مخزونه في ظل انهيار أسعار الصمغ بعد إغراق الأسواق المحلية بكميات ضخمة من السلعة معظمها منهوب، وظهور مشترين جدد يشترون الصمغ بأسعار زهيدة من المنتجين ويهربونه إلى دول الجوار الإفريقي.

ويمتد حزام الصمغ العربي في 13 ولاية، لكن معظم الإنتاج يتركز في كردفان وأجزاء من دارفور، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على معظم المناطق التي توجد فيها غابات الهشاب المنتجة للسلعة، التي تتحكم أيضًا في سلاسل إمدادها.

ومنع الدعم السريع في أكتوبر 2024 توريد المنتجات الزراعية والغابية، بما في ذلك الصمغ العربي، من المناطق التي يُسيطر عليها إلى الولايات التي يُسيطر عليها الجيش في وسط وشمال وشرق السودان.

وأدى هذا القرار، إضافة إلى ظهور مشترين جدد تحكموا في أسعار البورصة بشراء أي كمية تُعرض في الأسواق من الصمغ مع ارتباطهم بشبكات مهربين، إلى انهيار أسعار السلعة في الأسواق المحلية.

من هم المهربون؟

أفاد التاجر حسين بأن عناصر من قوات الدعم السريع يقومون بتسويق محصول الصمغ العربي في دول الجوار عبر دولتي تشاد وجنوب السودان.

ولفت حسين إلى أنه بعد قرار منع تصدير المحاصيل الزراعية والغابية، تكدس الصمغ في الأسواق، لكن سرعان ما ظهر عناصر الدعم السريع يقومون بشراء المحصول القديم والجديد وتسويقه في دولة تشاد.

وقالت ثلاثة مصادر متطابقة من نيالا بجنوب دارفور ــ فضلت عدم الإفصاح عن أسمائها لدواعٍ أمنية ــ لـ”دارفور24″ إن عشرة شاحنات محملة بالصمغ وصلت إلى المدينة خلال يناير وفبراير ومارس 2025 من محلية بروم وبحر العرب بشرق دارفور.

وأشارت إلى أن هذه الشاحنات مملوكة للأشقاء حامد العاص وعمر العاص المتواجد في نيامي بدولة النيجر والمقرَّب من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

وأفادت المصادر بأن الشاحنات جرى إفراغها وفرزها في منزل حامد بحي المطار شمال نيالا، الذي يتولى تجميع وشراء الصمغ قبل ترحيله إلى شقيقه في تشاد، ثم إلى النيجر.

منافذ التهريب

قال أحمد إسماعيل، وهو سائق شاحنة تجارية، إنه نقل حوالي 30 طنًا من الصمغ العربي لصالح أحد التجار من منطقة بحر العرب إلى دولة تشاد عبر نيالا وكاس وزالنجي والجنينة مرورًا بمعبر “أديكونق” الحدودي مع تشاد وصولًا إلى مدينة أدري.

وأشار إلى أنه دفع لعناصر من الدعم السريع في نيالا والضعين مبلغ 700 ألف، ودفع في البوابات بين نيالا والجنينة مبلغ مليون جنيه سوداني، كما أعطى السلطات في الجنينة ومعبر أديكونق 500 ألف جنيه.

وأوضح محمد عثمان ــ اسم مستعار ــ الذي يعمل سائق شاحنة لـ”دارفور24″ أن الصمغ العربي يُهرَّب من جنوب دارفور عبر رهيد البردي إلى مدينتي فوربرنقا وأم دخن بولاية وسط دارفور الحدوديتين مع تشاد.

وأشار إلى أن السلعة تُهرَّب عبر شرق دارفور إلى معبر الرقيبات الحدودي، وطريق آخر يمر عبر منطقة تمساحة إلى مدينة بورو بجنوب السودان، لكن بكميات محدودة.

وقال فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، في تقرير نُشر في 30 أبريل المنصرم، إن قادة الدعم السريع في نيالا تغاضوا عن نهب الصمغ العربي وغيره لأنه يُنظر إليه على أنه تعويض لهم وللجنود لضمان استمرار قتالهم.

وتحدث عن إشراف القائد في الدعم السريع حميدان محمد، تحت قيادة صالح الفوتي، على العمليات في نيالا عند وقوع أعمال النهب، كما كان قائد ميليشيا متحالفة مع الدعم السريع، وهو بخيت إبراهيم، يسيطر على الطرق الرابطة بين نيالا وزالنجي والجنينة التي تُشكل بعض طرق نقل الصمغ.

وأفاد التقرير بأن الصمغ هُرِّب عبر معبر أدري الرابط بين ولاية غرب دارفور وتشاد، وعبر منطقة أم دخن بوسط دارفور إلى تشاد، وعبر أم دافوق بجنوب دارفور إلى أفريقيا الوسطى، وعبر الضعين إلى أويل بجنوب السودان.

وأفاد تجار محليون في شرق وجنوب دارفور لفريق الأمم المتحدة بنهب كميات تُقدر بـ3,700 طن من الصمغ العربي خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2024.

وقال إن الدعم السريع فرض رسومًا قدرها مليون جنيه على كل شاحنة بحمولة 20 طنًا في منطقتي الرقيبات والنعام على الحدود مع جنوب السودان، كما طالبت بزكاة قدرها 100 ألف جنيه على كل شاحنة.

وأوضح أن 10 شاحنات بحمولة 20 طنًا و20 مركبة صغيرة تحمل كميات متفاوتة من الصمغ العربي، تمر عبر الرقيبات والنعام أسبوعيًا خلال فصل الصيف.

وتكسب قوات الدعم السريع ما يصل إلى 20.5 مليون دولار شهريًا من الرسوم التي تفرضها على عبور شاحنات الصمغ العربي بمعدل 10 شاحنات أسبوعيًا.

وأوضح التقرير أن كميات الصمغ العربي التي تصل إلى الحدود التشادية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع تتراوح بين 50 ألف طن إلى 70 ألف طن سنويًا.

تدني الأسعار

تحدث تجار ومزارعون من حزام إنتاج الصمغ في دارفور، لـ”دارفور24″، عن تراجع الطلب على السلعة من كبار المشترين والشركات المعروفة بعد اندلاع الحرب، مما انعكس على تراجع الأسعار مقارنة بما قبل النزاع.

وشهدت وكالات بيع الصمغ في محلية برام، حوالي 100 كيلومتر جنوب مدينة نيالا، تدنيًا في الإنتاج والمعروض.

وقال صاحب وكالة بيع الصمغ طه محمد لـ”دارفور24″ إن غالبية المزارعين أحجموا عن جمع المحصول بسبب عدم انتظام الطلبيات من قبل الوكالات وقلة العوائد المالية.

وأوضح أن المزارعين اتجهوا إلى العمل في مناجم الذهب في سنقو، مشيرًا إلى أن سعر قنطار الصمغ في بداية الموسم الحالي في شهر أكتوبر الماضي بلغ 190 ألفًا قبل أن يرتفع إلى 220 ألفًا نهاية الموسم في شهر يونيو المنصرم.

وذكر أن الحرب أثرت بشكل مباشر على إنتاج الصمغ، موضحًا أن وكالات محلية برام ومنطقة القوز الغربي كانت قبل اندلاع النزاع تُبيع 20 إلى 30 شاحنة أسبوعيًا محملة بالصمغ العربي، حيث كانت تذهب إلى نيالا ومنها إلى الخرطوم ثم إلى منافذ التصدير خارج السودان، بعكس هذا الموسم الذي تبيع فيه الوكالات عشر شاحنات أسبوعيًا وتتجه غربًا إلى تشاد.

بدوره، قال تاجر الصمغ بسوق الضعين حسين سليمان إن خروج بورصة مدينة الأبيض بشمال كردفان أثر بشكل كبير في تسويق المحصول، لافتًا إلى أن كل الذين يعملون في تجارة الصمغ الآن هم عناصر قوات الدعم السريع.

وشدد على أن أسعار الصمغ العربي “الهشاب” في أسواق الولاية تتراوح بين 100 إلى 160 ألفًا للقنطار، وهي غير مجدية للتجار والمزارعين معًا.

وتعد ولاية شرق دارفور من أهم مناطق إنتاج الصمغ العربي في السودان، وبحسب إحصائية وزارة الزراعة والغابات بالولاية قبل الحرب تُقدَّر الإنتاجية بنحو 65 ألف قنطار من الصمغ العربي في مساحة مزروعة تُقدَّر بحوالي 141,775 فدانًا.

وذكر التاجر داود حسن من منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور أن سعر قنطار الصمغ (45 رطلًا) في بداية الموسم بلغ 200 ألف، إلى أن وصل مع نهاية الموسم إلى 230 ألفًا.

وبين، خلال حديثه لـ”دارفور24″، أن معظم الإنتاج يذهب إلى دولة تشاد، حيث بلغ سعر الطن ــ 1000 كيلو ــ في بداية الموسم مليونًا وخمسين ألف فرنك، ما يعادل 750 ألف جنيه سوداني، وواصل السعر في الزيادة إلى أن استقر في مليوني فرنك، ما يعادل 800 ألف جنيه سوداني وقابل للزيادة.

جبايات ورسوم

قال تاجر المحاصيل الزراعية في سوق نيالا سعيد علي لـ”دارفور24″ إن هناك ندرة في المعروض من الصمغ العربي مع زيادة في الطلب، موضحًا أن سعر القنطار يتراوح بين 270 ألفًا إلى 300 ألف، في الوقت الذي يقل فيه المعروض في الأسواق.

ولفت سعيد إلى أن غالبية الإنتاج الوارد إلى بورصة نيالا من بلدة خزان جديد شمال شرق نيالا ومنطقة بحر العرب بولاية شرق دارفور.

وأرجع سعيد ندرة المعروض إلى خروج مساحات واسعة من محلية عد الفرسان عن دائرة الإنتاج، منوهًا بأن السوق الثاني بعد مدينة عد الفرسان قبل الحرب هو سوق منطقة (الشويب) الأسبوعي الذي يصادف يوم السبت من كل أسبوع.

ويعتبر هذا السوق مصدرًا رئيسيًا للصمغ العربي الذي يغذي أسواق مدينة نيالا، حيث يتم شحن ما لا يقل عن عشر شاحنات أسبوعيًا.

وأرجع سعيد أسباب الندرة وقلة المعروض إلى التهريب الذي يتم عبر دولة تشاد من مناطق جنوب شرق دارفور.

تراجع الإنتاج

تسببت الحرب بين الجيش والدعم السريع في تعرض حزام إنتاج الصمغ العربي في دارفور وأجزاء من كردفان إلى عراقيل في سلاسل الإنتاج من منطقة إلى أخرى.

وتسيطر قوات الدعم السريع على مساحات واسعة من مناطق الإنتاج لمحصول نقدي مهم في الصناعات الغذائية والأدوية ومستحضرات التجميل في العالم، ويُصدر السودان قائمة الدول المنتجة بمعدل إنتاج يبلغ 80% من الإنتاج العالمي.

وقال عدد من المزارعين من ولايات جنوب وشرق ووسط دارفور إن تأثر إنتاج الصمغ العربي بالحرب الدائرة في السودان ظهر في قلة الأيدي العاملة وخروج مساحات واسعة من دائرة الإنتاج هذا الموسم بـ”الطق” وجني “لقيط” الصمغ، الذي يبدأ دائمًا في شهر ديسمبر ويستمر حتى مطلع شهر يونيو من كل عام.

وأضافوا: “القطع الجائر للأشجار خلال العامين الماضيين تسبب في خروج تلك المساحات، فضلًا عن انخراط بعض المزارعين من فئة الشباب في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع، ما انعكس في ندرة المعروض، خاصة في أسواق مدينة نيالا”.

بالمقابل، تحدث منتجون محليون من منطقة كتيلا جنوب غرب نيالا لـ”دارفور24″ عن تسجيل إنتاجية عالية هذا الموسم مقارنة بالموسم الماضي من مناطق “حرازة، قوز عربي، بحيرات، تمساح، سن الفيل، قرف العروس، عريضة، كرينك، كبشين، شاتين، وهشابة”.

وقدَّر مزارعو كتيلا، التي تشتهر بزراعة شجر الهشاب، متوسط الإنتاج لهذا الموسم بأكثر من 40 قنطارًا للفدان منذ بداية الموسم.

وقال المزارع أبو إبراهيم لـ”دارفور24″ إن سعر قنطار الصمغ العربي في البداية كان 100 ألف جنيه، وسجل ارتفاعًا في شهري أبريل ومايو الماضيين إلى أكثر من 225 ألف جنيه.

وأضاف: “السلطات المدنية التي تتبع للدعم السريع تفرض مبلغ خمسة آلاف جنيه لكل قنطار، إضافة إلى رسوم تدفع للعناصر العسكرية بالدعم السريع على كل الشاحنات المحملة بالصمغ العربي، حيث تبلغ أقصاها 200 ألف جنيه عند بوابة الخروج من المدينة”.

وتابع: “الإنتاجية التي تُرسل إلى أسواق نيالا أقل بكثير من التي تُهرَّب إلى دولة تشاد عبر بلدة فوربرنقا التي تقع على الحدود”.

وأشار إلى أن الشاحنات المحملة بالصمغ العربي أسبوعيًا إلى الأسواق تتراوح بين أربع إلى ست شاحنات بمتوسط حمولة يبلغ 50 قنطارًا لكل شاحنة.

تشاد تُصدر

وكان نائب أمين غرفة المصدرين للصمغ العربي، إبراهيم أبو بكر الصديق، قد قال لوسائل إعلام محلية إن نظام الاستيراد الجديد “BFT” الذي اعتمدته الصين قد منح دولة تشاد كودًا خاصًا لاستيراد الصمغ العربي والفول السوداني.

وأشار إلى أن السودان، رغم امتلاكه ميزة تنافسية في هذه المنتجات، يواجه خطر فقدان حصته السوقية بسبب التهريب المتزايد إلى تشاد وجنوب السودان، مؤكدًا أن اتحاد الصمغ العربي تلقى معلومات تفيد بأن جزءًا كبيرًا من الصمغ الذي تستورده تشاد هو في الأصل سوداني تم تهريبه.

دارفور 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *