تقرير

قرار بوقف جميع أعمال الصيانة.. المقار الحكومية بالخرطوم .. “تفريغ قلب العاصمة.. الكشف عن الأسباب

المقار الجديدة للمؤسسات ستكون فى (....)

تقرير : محمد جمال قندول

حملت الأنباء أن اللجنة العليا لتهيئة البيئة في الخرطوم أصدرت قرارًا بإيقاف جميع أعمال الصيانة للمنشآت والمرافق الحكومية، في خطوة أثارت تساؤلات حول مغزى الخطوة والتي تتزامن مع حالة انشطة كثيرة تشهدها العاصمة في إطار إعادة الإعمار واستقبال الآلاف.

قرارات
وبحسب نص القرار المتداول، فإن اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين لولاية الخرطوم، برئاسة الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم، أصدرت قرارًا قضى بإيقاف جميع أعمال الصيانة للمنشآت والمرافق الحكومية في الولاية.

وبحسب القرار رقم (22) لسنة 2025، فإن الإجراء يأتي استنادًا إلى قرار سابق لمجلس السيادة بالرقم (153)، ويهدف إلى ضبط أولويات العمل الحكومي في سياق التحضيرات الجارية لتأمين عودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم، ضمن خطة أشمل لإعادة الخدمات وتوفير بيئة آمنة ومستقرة.

إلى ذلك، كشفت مصادر متطابقة “للكرامة” أن القرار أوقف أعمال الصيانة في منطقة وسط الخرطوم، وأن اللجنة تعكف هذه الأيام على إيجاد مقار بديلة للمؤسسات الحكومية لتمارس مهاهما في أماكن مختلفة.

وكشفت المصادر عن جملة قرارات مرتقبة للجنة منتصف أغسطس الجاري ومن ضمنها: إعلان مقار جديدة للمؤسسات الحكومية والوزارات، والتي ستنتقل لمناطق شرق العاصمة في شارع الستين، ومنطقة سوبا غرب العاصمة، عبر توزيع محكم يأتي في إطار تهيئة ولاية الخرطوم. وتابعت أن هنالك اتجاه قوي لتحويل وسط الخرطوم وشارع النيل بالعاصمة لمناطق سياحية.

القرار بحسب مؤشرات منصات التواصل الاجتماعي والتفاعل الشعبي قوبل بترحاب كبير، لا سيما وأنها خطوة تأخرت على حد قول الكثيرين والذين اعتبروها نقطة مهمة لتغيير شكل العاصمة وتفريغ قلب الخرطوم لأطرافها، وهو قطعًا اتجاه سيسهم في إعادة تنمية متوازنة.

رؤية متكاملة

وشهدت ولاية الخرطوم خلال الاسابيع الماضية نشاطا رسميا وشعبيا إذ زارها عدد كبير من المسؤولين علي راسهم رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وعضوا مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر وسلمي عبد الجبار كما قام رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس بزيارة ناجحة لها
وتستقبل الخرطوم موجات عودة متزايدة بشكل يومي كما تشهد كذلك عودة النشاط التجاري
وفي سؤالنا للكاتب السياسي والباحث في الإعلام التنموي،
د. إبراهيم شقلاوي حول القرار الحكومي القاضي بوقف صيانة المرافق الحكومية ونقل مقار الوزارات إلى أكاديمية الأمن بسوبا، أوضح قائلاً: إن القرار يحمل دلالات سياسية واقتصادية بالغة الحساسية، لا سيما في ظل ما تشهده العاصمة من تحولات كبيرة في بنيتها الإدارية والسيادية.

وأشار إلى أن وقف أعمال الصيانة الحكومية يعكس بصورة واضحة أن هناك رؤية جديدة لإدارة الموارد المالية بالنظر للظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد ، مما يفرض إعادة ترتيب أولويات الإنفاق ولو على حساب الجاهزية المؤسسية.

وأضاف، مع ذلك فأن تجميد الصيانة ـ إن طال أمده ـ قد يفاقم من تدهور مرافق الدولة لاحقًا، ويجعل كلفة إعادة تأهيلها أكثر صعوبة وتعقيدًا.

ومن ناحية أخرى، أكد شقلاوي أن نقل مقار الوزارات إلى أكاديمية الأمن بمنطقة سوبا، وهي منشأة ذات طابع مؤسسي خاص، يحمل دلالات سياسية لا يمكن إغفالها.
فاختيار موقع خارج المركز التاريخي للسلطة، ومنشأة غير مدنية الطابع، يثير تساؤلات حول اتجاهات إعادة تموضع القرار الإداري، وتوازن العلاقة بين المكونين المدني والعسكري في إدارة الدولة.

وأشار إلى أن هناك فرقًا جوهريًا بين استخدام المقرات ذات الطابع الأمني لأغراض السيادة أو الاجتماعات المؤقتة، وبين أن تصبح مركزًا للأداء الحكومي اليومي المرتبط مباشرة بحاجات المواطنين والإجراءات الخدمية.
فبينما قد يُبرَّر الأول بأسباب تتعلق بالحماية أو الرمزية، فإن الثاني يستوجب بيئة إدارية منفتحة، يسهل الوصول إليها من جميع أطراف الولاية، وتوفر الحد الأدنى من الشروط الخدمية.

كما لفت شقلاوي إلى أن الموقع المختار، إلى جانب كونه خارج دائرة مركز العاصمة، لا يراعي طبيعة بعض الوزارات الخدمية التي تحتاج إلى قرب من الجمهور وسهولة في الحركة والوصول، ما قد يُنتج خللًا متزايدًا في أداء الدولة، ويُضاعف من معاناة الموظفين والمواطنين على حد سواء.

وأضاف قائلاً: “كنت أرى أن قرار وقف ترميم مقار الحكومة، لو ارتبط برؤية متكاملة لإعادة إعمار ما بعد الحرب، لَكان أكثر اتساقًا مع تطلعات السودانيين في هذه المرحلة المفصلية”.

وأوضح أن الشارع السوداني، وبعد كل ما جرى، يتطلع إلى عاصمة جديدة لا تقتصر على استعادة ما كان، بل تُعيد تخيل الخرطوم بصورة تليق بالمرحلة القادمة، وتحاكي – على الأقل – نماذج العواصم الإقليمية والعربية والإفريقية في الحد الأدنى من البنية والوظيفة والمظهر الحضاري.

واختتم حديثه قائلاً: “في لحظات التحول التاريخي، لا تكون الإجراءات التقنية وحدها كافية. المطلوب، رؤية تلامس وجدان الناس، وتخاطب طموحاتهم. وحتى الترشيد المالي، يجب أن يكون جزءًا من خريطة طريق شاملة، لا مجرد إجراء معزول أو ترتيبات إدارية غير مدروسة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *