تقرير

“مرتزقة وأطفال وجثـ.ـث بلا هوية: ماذا تفعل الإمارات والكولومبيون في مطار نيالا؟”

إعداد: – عزة برس

■ قاعدة عسكرية تحت سيطرة الدعم السريع

بين مدرج الطائرات في مطار نيالا جنوب دارفور، وممرات تهريب الذهب، وتدريبات الأطفال المجندين… يكشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة La Silla Vacía الكولومبية أن مدينة نيالا تحوّلت إلى معقل استراتيجي لمليشيات الدعم السريع بتمويل إماراتي مباشر، وبأيدٍ مرتزقة من كولومبيا.

“إذا خسروا المدرج، خسروا كل شيء”، بهذه العبارة لخّص المرتزق الكولومبي الملقب بـ”سيزار” أهمية مطار نيالا، الذي بات اليوم غرفة العمليات المركزية للمرتزقة، ومسارًا حيويًا لهبوط طائرات الشحن المسيّرة، وإقلاع طائرات الهجوم، ونقل الذهب، واستقبال الوفود الأمنية الإماراتية.

وفق “سيزار”، فإن مهمته كانت تأمين المدرج العسكري للمطار الذي أصبح هدفًا متكررًا للطيران السوداني، والذي شنّ أكثر من 14 غارة جوية عليه منذ ديسمبر 2024، استهدفت مستودعات أسلحة ومخابئ داخل مدرج الطائرات.

وتُظهر مشاهد مصورة حصلت عليها الصحيفة وتم التحقق منها عبر صور الأقمار الصناعية، طائرة شحن تهبط في المطار على خلفية جبال نيالا المعروفة. وقد تم التثبت من الموقع بدقة، مما يقطع الشك بوجود نشاط عسكري “غير سوداني” في المدينة.

■ التدريب: أطفال إلى الجبهات خلال 20 يومًا فقط

الجانب الأخطر في الشهادة هو ما رواه “سيزار” عن تجنيد وتدريب آلاف الأطفال لصالح قوات الدعم السريع، إذ أكد أنه أشرف بنفسه على تدريب أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا في معسكرات تُدار بواسطة المرتزقة الكولومبيين.

يقول سيزار: “نحن ندرّب أطفالًا ليموتوا. إنهم يُقتلون بسرعة على الجبهة. نحاول فقط أن نجعلهم يموتون بصعوبة أكثر”.

تمتد فترة التدريب لـ6 أيام في الأسبوع، تبدأ من الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، ويضم المعسكر الواحد ما بين 1000 إلى 3000 مجند، يتولى تدريبهم نحو 70 مدربًا محترفًا من كولومبيا. لكن التدريب السريع لا يعوّض نقص المهارات أو الخبرات القتالية، إذ يؤكد سيزار أن الخسائر البشرية في صفوف الأطفال قد تصل إلى 300 قتيل في معركة واحدة.

وتكشف الشهادة أن هذه السياسة جاءت بعد موجة انهيارات ميدانية واسعة في صفوف الدعم السريع، حيث قررت القيادة إنشاء معسكرات تدريب عاجلة لسد العجز البشري عبر الأطفال، لا سيما مع نفاد المجندين النظاميين.

■ ميناء بوصاصو: الطريق إلى نيالا

بحسب التحقيق، فإن المرتزقة الكولومبيين لا يدخلون السودان عبر مطارات مدنية، بل يُمررون عبر ميناء بوصاصو في الصومال، وهو ميناء تتحكم فيه الإمارات بشكل غير رسمي. كما تصل الإمدادات والأسلحة بالطريقة ذاتها، مما يشير إلى وجود خط إمداد عسكري دولي تمر عبره الأسلحة من الإمارات إلى قلب دارفور.

■ الشركة المشغّلة: إماراتية بالكامل

التحقيق يضع اسمًا على الجهة التي تدير هذه العمليات، وهي شركة Global Security Services Group (GSSG)، ومقرها الإمارات. يرأسها رجل الأعمال الإماراتي محمد حمدان الزعابي، ويشرف ميدانيًا على العمليات العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيجانو.

وتنشط الشركة المذكورة في عدة بؤر صراع، مثل ليبيا، واليمن، وأفريقيا الوسطى، وتوفر ما يسمى بـ”خدمات تدريب وحماية”، وهو مصطلح يُخفي أنشطة مرتزقة وتسليح وعمليات تجنيد غير قانونية، من ضمنها استخدام الأطفال.

■ شهادات مروعة… وأبعاد قانونية

ما كشفه سيزار من داخل معسكرات الدعم السريع في نيالا، لا يمكن وصفه إلا بجرائم حرب مكتملة الأركان: تجنيد أطفال، إدارتهم بواسطة مرتزقة أجانب، وتوجيههم مباشرة إلى الخطوط الأمامية دون حماية قانونية أو إنسانية.

ومع تزايد الأدلة على وجود هذه المعسكرات، خصوصًا أن سيزار زوّد التحقيق بإحداثيات GPS دقيقة لمواقعها قرب نيالا، فإن الضغط يتصاعد على المجتمع الدولي، خاصة بعد تقارير متقاطعة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تؤكد تصاعد الانتهاكات ضد الأطفال في السودان.

■ من حرب إلى حرب: رحلة المرتزق الكولومبي

قبل وصوله إلى السودان، خدم سيزار في أوكرانيا. يقول: “خرجت من أوكرانيا مفلسًا، وكنت بحاجة إلى عمل. بحثت في Google عن قوات الدعم السريع، وقرأت كل شيء… لكنني مضيت”. يختصر هذا المسار حجم الإغراء المالي للمرتزقة الكولومبيين، الذين تتنقل أعداد متزايدة منهم من حرب إلى أخرى بدافع الفقر أو اليأس، بينما يتحولون إلى أدوات تنفيذ لجرائم حرب دولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *