
*”أحياناً يكون أول اختبار للحكومات الجديدة هو الوقت لا القرارات”.. الكاتبة..!
أعترف أنني قد شعرتُ ببعض الخيبة، وأنا أتابع تأخر إعلان حكومة مجلس الوزراء الجديدة. ليست خيبتي في التأخير ذاته، بل في رمزيّته الثقيلة. إنها نفس العربة القديمة التي لم تُبدّل دواليبها، تُجرّ بنفس التنهيدة، وتصدر عنها نفس الصرير..!
كنتُ – وربما غيري كثر – أرجو أن تكون هذه هي أولى خطوات التغيير، أن نُفاجأ بسرعة غير معهودة، بحسم غير مألوف، وكأن رئيس الوزراء الجديد قد جاء ليقلب الطاولة لا ليعيد ترتيب الصحون القديمة فوقها..!
لكننا – كما يبدو – لا نزال نعيش في بلد إذا أردت أن تبدأ من جديد، فعليك أولًا أن تتصالح مع ركام البدايات السابقة، ومع جماعة تحترف صناعة “المتاريس غير المرئية” في طريق كل من يُحاول العبور..!
رئيس الوزراء الجديد لا يواجه أزمة سياسية فقط، بل يواجه ما هو أعمق “ثقافة الخذلان المتبادل، وتاريخ طويل من الكوابح المُغلّفة بحجج وطنية، وهي في جوهرها لا تعدو أن تكون محاولات لشلّ أي إرادة مستقلة”..!
ما يحتاجه الدكتور كامل إدريس اليوم في زمن الحروب والتحديات هذا – قبل الحكمة وبعدها – هو جلد فيل ومرونة حبال السيرك. أن يتعلم كيف ينظر في وجه من يحفر له حفرة، ويبتسم له بأدب، ثم يتجاوز الحفرة دون أن يتوقف لتوثيق الجريمة..!
المشكلة ليست في العوائق، بل في الطاقات المستنزَفة للرد عليها. البعض يريدون منه أن ييأس، لأن يأسه هو انتصارهم الوحيد..!
كل رئيس وزراء في بلاد مثل بلادنا، هو في النهاية “أمل شخصي” لفرد ما في أقصى البلاد؛ شخص تعلق بعوده النحيل كي لا يسقط. ومن هذه الزاوية، فإن أي تراجع أو تهاون أو انكسار، لا يضر النخبة فقط، بل يُطفئ شمعة في قلب مواطن بسيط لا يملك غير الأمل..!
نعم، نحن نُطالب الرجل أن يُنجز، ولكن قبل ذلك، نُطالبه ألا ينكسر، أن يتعلم من فشل الآخرين لا ليبرر التأخير، بل ليستعجل النهايات الصحيحة..!
صاحب المسؤولية في السودان ليس في اختبار قدراته، بل في اختبار صموده. وأحياناً يكون الصمود وحده هو الإنجاز الأول..!
وفي لحظة كهذه، لا يملك رئيس الوزراء إلا أن يكون رجلًا مؤمناً بفكرة أكبر من كرسيه، وبزمن أطول من عمر حكومته، وبوطن لا يقبل أن يُدار كأنه نادٍ لأصحاب المصالح..!
لا نطالبه بمعجزات، فقط نرجو أن يسير رغم الرياح، أن يرى المتاريس ولا يتوقف، أن يصغي لصوت ضميره وأصوات خلصائه أكثر من أصوات المتربصين خلف الستار..!
ربما يكفينا منه أن يثبت لنا أن النجاح في رئاسة الوزراء لا تزال ممكنة في بلاد نحترف فيها اغتيال كل محاولة أمل وهي في مهدها. ونعده أن لا نتوقع المعجزات، فقط ننتظر منه أن يبدأ!.
munaabuzaid2@gmail.com