
Ghariba2013@gmail.com
في خضم معركة الكرامة التي يخوضها السودان لاستعادة عافيته وكرامته، يطفو على السطح تحدٍ جديد يهدد سيادته الوطنية وأمن مواطنيه في الولاية الشمالية. لقد أثارت الأنباء الواردة من دنقلا وعبري، حول دخول قوات تابعة للمشير خليفة حفتر الليبي إلى منطقة المثلث الحدودية، مسنودة بقوات الدعم السريع المتمردة، قلقاً بالغاً وتساؤلات حول طبيعة هذا التدخل وأبعاده على المشهد السوداني المعقد.
إن بيان لجنة أمن الولاية الشمالية، وما تبعه من بيان للجنة أمن وحدة عبري الإدارية، يعكس بوضوح خطورة الموقف وحجم التحدي الذي يواجه الدولة السودانية. بدخول قوات أجنبية إلى أراضٍ سودانية، مهما كانت الدوافع المعلنة، يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، ويتطلب رداً حاسماً لا يقبل التهاون. لقد أكدت البيانات الرسمية أن هذا التدخل “لن يمر مرور الكرام”، وأن القوات المسلحة والقوات المساندة لها ستقف “سداً منيعاً ضد استهداف الولاية الشمالية”، وهو تأكيد ضروري على عزم الدولة على حماية أراضيها وشعبها.
ما يزيد من تعقيد الموقف هو التورط الواضح لمليشيا الدعم السريع المتمردة في هذا التدخل. فربط هذه القوات الأجنبية بالمليشيات التي تعيث فساداً في البلاد وتعمل على زعزعة استقرارها، يثير علامات استفهام كبرى حول الأهداف الحقيقية لهذا التوغل. هل هو محاولة من المليشيا للحصول على دعم خارجي لتعويض خسائرها الميدانية؟ أم هو جزء من مخطط أوسع لتقويض الدولة السودانية وتفتيت نسيجها؟ هذه التساؤلات تستدعي يقظة وحذراً شديدين من قبل السلطات السودانية والمواطنين على حد سواء.
لقد أشارت لجنة أمن الولاية الشمالية بحق إلى أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، مؤكدة أن أمن الولاية والمواطنين هو الأولوية القصوى. وهذا صحيح تماماً. ففي أوقات الحروب والأزمات، يصبح الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي هو الركيزة الأساسية لأي تقدم أو انتصار. ومن هنا تأتي أهمية دعوة اللجنة للمواطنين بعدم الالتفات إلى الشائعات المغرضة التي تبثها المليشيا المتمردة، والتي تسعى لرفع الروح المعنوية لقواتها المنهارة. إن وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية هما السلاح الأقوى في مواجهة الأعداء، سواء كانوا خارجيين أو داخليين.
في هذا السياق، يجب الإشادة بالخطوات الاستباقية التي اتخذها والي الولاية الشمالية، الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم، بإصداره أمر طوارئ بتعديل ساعات حظر التجوال. فمثل هذه الإجراءات، وإن كانت مؤقتة ومقيدة، تساهم في تعزيز الحس الأمني والتحكم في حركة الأفراد والمركبات، مما يحد من فرص استغلال الظروف الراهنة من قبل المندسين وأعداء الوطن، الذين يسعون لإثارة الفوضى والتفلتات.
إن منطقة المثلث الحدودية، التي أصبحت بؤرة للتوتر، هي جزء لا يتجزأ من الأراضي السودانية. وبالتالي، فإن التعامل مع هذا التحدي يتطلب نهجاً شاملاً يجمع بين الحزم العسكري والدبلوماسية الحكيمة. يجب على الحكومة السودانية أن تعمل على كافة المستويات، إقليمياً ودولياً، لإدانة هذا التدخل والضغط من أجل انسحاب فوري للقوات الأجنبية ومليشيا الدعم السريع من الأراضي السودانية. في الوقت نفسه، يجب على القوات المسلحة والقوات المساندة لها أن تكون على أهبة الاستعداد للتصدي لأي محاولات لانتهاك السيادة أو تهديد أمن المواطنين.
في الختام، إن ما يحدث في منطقة المثلث هو إنذار خطير يضاف إلى التحديات الجسام التي يواجهها السودان. إن معركة الكرامة، التي هي في خواتيمها كما ذكر البيان، لن تكتمل إلا بضمان سيادة الوطن ووحدة أراضيه. والولاية الشمالية، التي أكدت اللجنة أنها “صمام الأمان للسودان”، تقع على عاتقها مسؤولية تاريخية في التصدي لهذا التحدي الجديد. فالصمود والتكاتف واليقظة هي السبيل الوحيد لعبور هذه المرحلة الحساسة، والحفاظ على كرامة السودان ووحدته.