السودان يمرُّ بأسوأ الأزمات وعضويته مجمدة.. الاتحـاد الأفـريقي.. مـواقف سـالبة
زيارة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي بداية لإنهاء الخلافات..
⚡البرهان: الاتحاد الأفريقي تجاهل السودان، لعدم معرفته بحقيقة الحرب..
⚡جاد: التوضيحات التي قدمها البرهان ساعدت في تفهم الأوضاع بالسودان..
⚡الأزمة المالية للاتحاد الأفريقي في طريقها إلى المعالجة داخل الأمم المتحدة..
*✍️تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
وضع رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عدة رسائل في بريد الاتحاد الأفريقي، واصفاً ما يتعرض له السودان من حرب تشنها ميليشيا الدعم السريع المتمردة، بالاستعمار الجديد، مؤكداً رفضه محاولات السيطرة على البلاد عبر جهات أجنبية تستخدم الدعم السريع في حربها ضد السودان، وقال البرهان خلال لقائه بمدينة بورتسودان وفد مجلس الأمن والسلم الأفريقي برئاسة محمد جاد، المندوب الدائم لمصر لدى الاتحاد الأفريقي، الرئيس الدوري الحالي لمجلس السلم والأمن، إن البلاد محتلة من قبل الميليشيا المتمردة بمشاركة مرتزقة أجانب، ومعاونة دول يعرفها الجميع، مبيناً أن تجاهل الاتحاد الأفريقي للأزمة التي يعيشها شعب السودان ناتج من عدم معرفته بحقيقة هذه الأزمة.
⭕ مطبات:
لأكثر من أربع سنوات ظلت طائرة العلاقة ما بين السودان والاتحاد الأفريقي تواجه عديد المطبات، بدأت منذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021م، وفضّ بموجبها الشراكة مع المكون المدني المتمثل في تحالف قوى الحرية والتغيير ( قحت)، بحل مجلسي السيادة والوزارة، وإيداع عدد من قيادة تحالف (قحت) من الوزراء والسياسيين خلف القضبان، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وهي الخطوة التي اعتبرها الاتحاد الأفريقي انقلاباً على الحكم، وقرر بموجبها تجميد عضوية السودان في المنظمة القارية.
⭕ فتور وعدم تفاهم:
ومنذ 27 أكتوبر 2021م، أصبحت العلاقة بين الاتحاد الأفريقي والسودان فاترة ومبنية على عدم التفاهم وسوء الظن، لتأتي حرب الخامس عشر من أبريل 2023م وتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهير بعير هذه العلاقة بالموقف المخجل للاتحاد الأفريقي في تعاطيه مع قضية الحرب وانحيازه الفاضح والواضح لميليشيا الدعم السريع التي كان لقائدها العام محمد حمدان دقلو علاقات خاصة واستثمارية مع بعض القادة الأفارقة على شاكلة الرئيس الكيني وليام روتو الذي أخذت عليه تصريحاته التي قال فيها إن الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل قيادة جديدة تكون قادرة على إخراجه من الكارثة الإنسانية، فيما دعا رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى إنشاء منطقة حظر طيران في الأجواء السودانية، ونزع المدفعية الثقيلة لمنع تفاقم الأزمة وتأثيرها على المنطقة منحازاً في تصريحه هذا مع رؤية قوى الحرية والتغيير التي طالبت بذات الخطوة لتعمل على تحييد سلاح الجو السوداني الذي كانت تأثيراته واضحة في ترجيح ميزان العمليات العسكرية منذ بواكير الحرب.
⭕ طامة كبرى:
ثم كانت الطامة الكبرى في سبتمبر 2023م عندما استضاف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي في مقر المفوضية بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، المستشار السياسي السابق لقائد الدعم السريع يوسف عزت، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة الحكومة السودانية، ودفعت رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى الاتحاد الأفريقي، مستبعداً وجود أي دور يضطلع به من أجل التوصل إلى تسوية، وبعث البرهان برسالة شديدة اللهجة للمنظمة الإقليمية مفادها ” إذا كان هذا نهجكم فنحن في غنى عن مساعدتكم”، يأتي ذلك في وقت اعتبرت فيه وزارة الخارجية السودانية استقبال موسى فكي ليوسف عزت، بالسابقة الخطيرة في عمل الاتحاد الأفريقي ومخالفة واضحة لنظم وأعراف المنظمة القارية باعتبارها تجمعاً لدول ذات سيادة، لا مكان فيها للحركات الإرهابية والمليشيات الإرهابية المتمردة.
⭕ فك تجميد العضوية:
وعطفاً على كل هذه المعطيات، فإن زيارة وفد مجلس الأمن والسلم الأفريقي للسودان تكتسب أهمية كبرى في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة، وهي الفرصة التي استثمرها رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان فأخرج الهواء الساخن وقدم الكثير من الإيضاحات التي تفهمها وفد المجلس الأفريقي برئاسة محمد جاد، المندوب الدائم لمصر لدى الاتحاد الأفريقي، رئيس الدورة الحالية لمجلس السلم والأمن والذي قال إن الإيضاحات التي قدمها البرهان للوفد ساعدت في تفهم أبعاد الأزمة السودانية، منوهاً إلى أن اللقاء مع البرهان تطرق إلى ضرورة إيجاد البيئة اللازمة لاستعادة السودان لعضويته في الاتحاد الإفريقي، مبيناً أنه لا يمكن أن يمر السودان بمثل هذه الأزمة وتكون عضويته مجمدة في الاتحاد الأفريقي.
⭕ ضعف وفشل:
ويرى الباحث إبراهيم إدريس، الخبير في الشؤون الأفريقية أن ضعف الدور الأفريقي في معالجة الأزمة السودانية لا علاقة له بالدول، وإنما يعود إلى ضعف المنظومات التابعة للاتحاد الأفريقي كمجلس السلم والأمن الذي يضم في تشكيلته العديد من الدول بما فيها السودان الذي كان له دور فاعل في هذه المجلس، معتبراً مجلس السلم والأمن مسؤولاً بشكل مباشر في عدم التعاطي الإيجابي مع أزمة الحرب لمشاكل واجهها المجلس نفسه مع الحكومة السودانية، وأشار الأستاذ إبراهيم في حديثه للكرامة إلى محاولات قام بها الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد من أجل إيجاد تسوية للأزمة في السودان، ولكنه عجز عن الوصول بهذه المحاولات إلى غاياتها لضعف إمكانياته توصل إلى السلام رغم العديد من المبادرات الإقليمية والدولية سواءً في مصر أو جيبوتي أو حتى جدة وأخيراً جنيف، ويُرجع الأستاذ إبراهيم إدريس فشل تجارب الاتحاد الأفريقي في معالجة الكثير من القضايا والمشكلات التي تندلع في القارة السمراء إلى ضعف الإمكانيات المالية للمنظمة الإقليمية، ثم وجود بعض المواقف المنحازة التي تضع الاتحاد الأفريقي في مواقف محرجة، منوهاً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2719 والذي تم مناقشة تفاصيله بالأمس في نيويورك بحضور مندوبة الاتحاد الأفريقي، ونائب السكرتير العام للأمم المتحدة، ومندوب السكرتير العام للأمم المتحدة في الاتحاد الأفريقي، مما يؤكد أن أزمة الاتحاد الأفريقي المالية في طريقها إلى المعالجة وتحديداً الفقرة المتعلقة بأهمية الدعم المالي التي ستشارك بها المنظمة الأفريقية عبر قوات حفظ السلام الأفريقي بنسبة 25% من ميزانيتها.
⭕ تراجع إيمان الدول:
ويتفق مع هذه الرؤية الصحفي الأثيوبي الأستاذ أنور إبراهيم أن فشل الاتحاد الأفريقي في تسوية الأزمة السودانية يعود إلى ضعف إمكانياته المرتبطة بضعف التمويل الأمر الذي جعل تحركاته لحل النزاعات التي تندلع في القارة السمراء، غير ملبية لأشواق وآمال الدول المعنية، وأشار أنور في إفادته للكرامة من أديس أبابا إلى التأثيرات المباشرة لهذا العجز خاصة فيما يتعلق بتقلص أدوار الاتحاد الأفريقي وتراجع إيمان الدول الأعضاء بدور المنظمة الإقليمية في معالجة المشكلات التي تواجهها، مما دفع بعض هذه الدول إلى الاعتماد على دوائر غربية، مشدداً على ضرورة أن يستعيد الاتحاد الأفريقي أدواره لتعود له صورته الزاهية ويجد الاحترام والتقدير من الدول الأعضاء.
⭕ خاتمة مهمة:
على كلٍّ لا يمكن قراءة زيارة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي للسودان، بمنأى عن التطورات العسكرية التي تجري على المحاور وجبهات القتال المختلفة والتي تُظهر تقدم القوات المسلحة والقوات المساندة لها، وتكشف في المقابل تراجع ميليشيا الدعم السريع، واقتراب دحرها ومحوها من المشهد، وبالتالي ينبغي على الحكومة السودانية أن تتعاطى إيجاباً مع هذا الموقف الجديد للمنظمة الإقليمية، والذي يمثل أول خطوة على طريق استعادة العلاقات الثنائية وفتح صفحة جديدة، خاصة بعد الإيضاحات التي دفع بها السودان تعزيزاً لموقفه الغاضب من سلوك الاتحاد الأفريقي وتعاطيه المجحف مع السودان كعضو مؤسس ودولة لها مكانتها ودورها الفاعل في المنظمة الأفريقية، وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقا