متابعات _ عزة برس
صعدت أماني (35 عامًا) شاحنة مخصصة لنقل السلع، بعد أن انعدمت خيارات وسائل النقل أمامها، عندما أرادت مغادرة منطقة شرق النيل بالعاصمة الخرطوم، وهي تنوي الذهاب إلى الولايات التي تأوي مئات الآلاف من النازحين، هاربة من جحيم القتال الذي اشتد منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، ولا يزال مستمرًا حتى اليوم.
مواطنة: النزوح عبارة عن رحلة مثقلة بالهموم، والحرب أضرت في الغالب النساء والأطفال
ترددت أماني بين أن توصد باب منزلها في الحي أو تتركه على حاله، طالما أن المنازل لم تنجُ بين الحين والآخر من عمليات النهب بواسطة قوات الدعم السريع المتهمة بشدة بارتكاب الفظائع خلال الحرب، إلى جانب عصابات النهب.
وصلت أماني إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، حيث تقيم في منزل بالإيجار. تمكنت من سداد ثلاثة أشهر دفعة واحدة بعد أسبوع من وصولها إلى المدينة الواقعة شمال البلاد، مكثت بعض الوقت قبل أن تنخرط في عمل العطور البلدية السودانية لبيعها للنساء في السوق.
ترعى أطفالها ثم تنهمك في تجهيز العطور الخشبية المروية بالصندل. في بعض الأحيان، يأتي الناس للشراء وهم في طريقهم لمغادرة البلاد، إلى مصر عبر الطرق البرية ومطار بورتسودان أو إلى السعودية.
لم تكن تجارة العطور المحلية المصنعة يدويًا في المنزل من بين خياراتها، لكنها اعتمدت على تجارتها طوال (14) شهرًا، ثم تسدد إيجار المنزل وتكاليف المعيشة.
تأمل أماني في السفر إلى مصر، لكنها تخشى على أطفالها من حر الشمس في الطريق الترابي الذي يسلكه مهربو الشاحنات بين البلدين، عبر مناطق شمال السودان وصولًا إلى أسوان المصرية.
دفعت النساء الثمن الفادح في حرب السودان، حيث تعرضت معظمهن لأضرار وخيمة، سواء بالنزوح أو الانتهاكات المباشرة، مثل الاعتداء أو الاغتصاب الجنسي. وتحصي منظمات حقوقية ما لا يقل عن (500) حالة اعتداء جنسي ضد النساء والفتيات في حرب السودان.
تقول أماني إن النزوح يعيد حياتك إلى الفترة الأولى بلا نشاط اقتصادي أو عمل في القطاعين العام أو الخاص، ثم تضطر لشق طريقك نحو التجارة، باعتبارها من الأنشطة المتاحة خلال الحرب، خاصة مع نشاط حركة الاستيراد بين دول الجوار والسودان.
وفي محاولة لتسليط الضوء على الصراع المسلح في السودان ومدى معاناة السودانيات إزاء الوضع الإنساني والعسكري، أطلقت الناشطة السودانية نسرين الصائم دعوة لوقف الحرب، وقالت في مناشدة عبر منصة الأمم المتحدة إن الحرب في السودان ألحقت ضررًا بقطاعات كبيرة من المجتمع، ويجب أن تسكت البنادق فورًا.
عاملة في المجال الإنساني: الحرب لم تمنع النساء من النظر إلى ما وراء المعارك
تقول أماني إن النساء بطبيعتهن يحاولن فتح مسارات في الحياة من العدم. عندما اندلعت الحرب، وقع الضرر الأكبر عليهن؛ نزحن مع الأطفال إلى الولايات الآمنة. هناك عشن حياة قاسية، لكن مع مرور الوقت، تمكنَّ من إنشاء مجموعة من الأنشطة.
تقول سوسن عبد الكريم، العاملة في المجال الإنساني، إن ملايين النساء يواجهن صعوبة شديدة في استئناف حياتهن خلال الحرب. هناك من فقدن أطفالهن أو أزواجهن، أو فقدن ممتلكاتهن، أو تعرضن للعنف الجنسي، ومع ذلك، رسمن واقعًا مغايرًا لحياتهن بالعمل في التجارة والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وترى سوسن عبد الكريم في حديث لـ”الترا سودان” أن الحرب لم تمنع النساء من النظر إلى ما وراء المعارك. في كل موقع تجدهن يعملن على ترتيب الأولويات، لأن السودانيات اعتدن على عيش حياة قاسية لسنوات طويلة.