الأخبار

رسالة مفتوحة لقادة القوات المسلحة وقادة الدعم السريع ومستشاريهم ومساعديهم والمجتمع المدني / الموقرون

بمناسبة اليوم العالمي للسلام ومِنْ منطلق التدين المُبصِر والوطنية الراشدة والإنسانية اليقظة نُخاطب الأطراف المختلفة بالتوافق حول إنهاء الحرب والجنوح للسلم، ومن ثم التوجه لبناء دولة المواطنة المبنية على الحقوق والواجبات، والتي تسع جميع السودانيين بتنوعهم الديني والثقافي والاثني .
جاءت كل الأديان السماوية والثقافات والموروثات لتمكين العلاقة بين الافراد والجماعات والدول ، مبنية سلام وأمان ، تجمع القلب إلى القلب ، مستهدفةً إقامة كيان موحد ، بعيداً عن عوامل الفرقة والضعف ، وأسباب الفشل والهزيمة ، ليكون لهذا الكيان الموحد القدرة على تحقيق الغايات السامية من أجل استقرار هذه ليعيش الناس في ظلها آمنين آخذين في الاعتبار أن الناس خلقو بطبعهم احرارً مجبولين علي السلم والمحبة.
إن بلادَنا تمر بأخطر مرحلة في تاريخِها الحديث لدرجة أن مآلات الحرب باتت تطرح سؤال نكون أو لا نكون؟؛ فاستمرار الحرب بهذه الصورة التدميرية معنىً ومبنىً يُهدِّد وجود الإنسان، ويُهدِّد بقاء البلد نفسه مُوحدَّاً، وبالتالي فإن التواضع على معالجتِها بالآليات السلمية ضرورة دينية ووطنية وإنسانية.
إن الرسالات الإلهية إلى البشر، وما توصلت إليه صحوة الإنسانية أوجب الالتزام بأخلاقيات في حالة الحرب والتي تُراعيها وتحرِص على تطبيقها الأطراف المختلفة. تتمثل تلك الأخلاقيات في حماية المدنيين، والتقليل من المعاناة الإنسانية، وحماية أسرى الحرب، وعدم استهداف الأعيان المدنية كالمساكن والمستشفيات والمدارس ومعسكرات النزوح؛ ولكن حرب ١٥ ابريل تجاوزت كل ذلك. والآن وبعد مرور أكثر من عام ونصف على قيامِها، وبعد تعذر الحسم العسكري لأيٍ من أطرافها، وبعد كل التدمير الذي طال الأبرياء والبنى التحتية، وبعد كل التشريد لأكثر مِنْ نصف السكان، وبعد اجتياح المجاعة والتي تُهدد أكثر من ٢٥ مليون شخص، وبعد توقف مؤسسات الدولة وتعطل مصالح البلاد والعباد، وبعد انتشار خطاب الكراهية على أساس جغرافي وقبلي فإن مراجعة الموقف من استمرار القتال تصبح ضرورة دينية ووطنية وإنسانية فإننا نؤكد وبناء علي ما تقدم علي الآتي :
اولا : إن الله تعالى خالق الكون قد جعل الإنسان خليفته في الأرض، وأوكل إليه عمارتها بالحق والعدل والرحمة والسلم والتعاون على البر بين جميع بني الإنسان؛ وهذه هي الأمانة التي أبت السمواتُ والأرضُ والجبالُ أن تحملها فحملها الإنسانُ؛ فلنعمل جميعاً بمقتضاها ولنتجنب ما تخوف منه الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) ولنتجنب (وإذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥) البقرة؛ وإن الحروب تُشكِّل حاضنةً لكل هذه الموبقات.
ثانياً : إن الإنسان الذي خلقه اللهُ تعالى بيديه، وكرمَّه، وأسجد له ملائكته، وفضلَّه على كثيرٍ من مخلوقاته، وسخَّر له الكون ببرِه وجوِه وبحرِه لجديرٌ به أن يعيش حياة الأمن، والاستقرار، والسلام؛ ولذلك كان النداء الرباني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة ٢٠٨، وإن الجنوح للسلمِ واجبٌ حتى في القتال مع المُعتدِين مِنْ غيرِ المسلمين قال تعالى (إِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) الأنفال؛ فكيف بالقتال بين أبناء الدين الواحد والبلد الواحد؛ ولذلك نحث كافة فئات المجتمع وعلى رأسها المُصلِحين والحكماء والدعاة والقادة إلى التحرك العاجل لوقف الحرب وبناء السلام، وتبني مشروع للإصلاح بين المتقاتلين على أسس عادلة قال تعالى (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) وقال النبي ﷺ: «ألَا أُخبِرُكم بأفضَلَ مِن درجةِ الصِّيامِ والقيامِ؟». قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: «إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ، فإن فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ» سنن أبي داود.
ثالثاً : هنالك مَنْ يدعم الحرب بناءً على حيثيات دينية، ويستدل بنصوص شرعية لتأييد موقفه، وسمعنا خطابات تُشرعن الأضرار المترتبة على العمليات العسكرية تجاه المدنيين خاصةً إذا كانت من مكونات اجتماعية مُحددة باعتبارهم حواضن لأحد أطراف الحرب، وفي هذا تجاوز لمبدأ مهم في الإسلام وهو مبدأ المسؤولية الفردية قال تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)، وفيه تجاوز أيضاً لأخلاقيات الحرب التي وضعها الإسلام والتي تقيد القتال مع المُعتدِين فقط دون غير المقاتلين من المدنيين والشيوخ والأطفال والنساء والرهبان قال رسولُ اللهِ ﷺ: لا تغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا” الطبراني، وفيه إزهاق النفس البريئة بشبهات وهذا لا يجوز ويدخل في قولِه تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ سورة النساء ٩٣، وقول رسول اللهِ ﷺ: “لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مسلم” رواه الترمذي، وقوله ﷺ: “من آذى مسلمًا بغير حق، فكأنما هدم بيت الله” الطبراني، وحديث النبي ﷺ “يجيئ المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً، يقول يا رب هذا قتلني حتي يدنيه من العرش” رواه الترمذي. وبالتالي فإن استهداف المدنيين بالقصف أو التدوين العشوائي أو ممارسة التهجير القسري بحقِهم أو نهب أموالهم ومُمتلكاتهم بالقوة لا يجب أن يكون محل اختلاف بين العقلاء فضلاً عن العلماء ورثة الأنبياء.
رابعاً : إن واجب الأمانة يقتضي علينا جميعاً السعي لرفع صوت السلام عالياً، وإخفات صوت الحرب وخطاب الكراهية، والعمل على معالجة آثار الحرب معنوياً ومادياً لننعم بالسلام والرخاء والتنمية والعدل والمساواة والنهوض فلقد تخلفنا كثيراً بسبب الحروب فآن الأوان لطي صفحتِها نهائياً وفتح صفحات للسلام الشامل والعادل .
(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ) يونس ٢٥.
(طـوبي لصـانعي السـلام) إنجيل متى.
دينيون من أجل السلام والتماسك الاجتماعي
٢١ ديسمبر ٢٠١٤م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *