* لم تكن ولادته ولادة عادية على الإطلاق، ولم يكن المولود كسائر من خلق ربي حاشا وكلا، فهو ببهائه وحسن خلقته كان أجمل من القمر في ليلة تمامه، ولا إرهاصات مولده لها مثيل على مر التاريخ، ولا ما قبلها من الولادات، ولا بعدها أبدا، لأن المولود كان خير البشر جميعا، وخير من خلق ربي تجلى في علاه.
* ما من مخلوق دونت تفاصيل حياته بهذه الدقة والإيضاح حركة وسكنة، جيئة وذهابا، كما دونت وكتبت بماء الذهب سيرته صلى الله عليه وآله وسلم، وبرأي أن هذا السفر الذي نحن بصدد تقليب صفحاته ليس بالمقدور أن نفيه حقه علينا مهما اجتهدنا في الوصف، وتعمقنا في التعبير، يكفيه أنه قد أنار لنا الطريق الذي يجب أن نسلكه لنأمن غضب الرحمن جل جلاله، حيث قادنا للوجهة الصحيحة، والشرعة السليمة التي عليها أبينا إبراهيم عليه السلام، وسائر الأنبياء والمرسلين، بل ودعانا للتمسك بالفضيلة التي ظل الإنسان يبحث عنها، ولكنه ظل يتخبط بين الأفكار الخربة، والأيديولوجيات الوضعية المضللة ظنا منه أن ذلك أعلى مراقي التحضر والمدنية، فما وصل لجوهر الحقيقة، لأن ما لا هداية فيه من السماء، ولا عناية له من جبار السموات والأراضين لا يمكن ان يوصل إلى التمام ابدا.
* وقد بعث خير البرية متمما لمكارم الأخلاق، فكان الصادق والأمين بين قومه، وما عرفت عنه قريش سوى الحكمة ورجاحة العقل، والحجة والمنطق الذي افتقدته، وحين بعث صلى الله عليه وسلم، فكانت بعثته بالرسالة الخاتمة، والكتاب المحفوظ من السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
* فأرسل رحمة للعالمين للناس كافة، وبه أخرجنا من ظلمات الكفر والجهالة، إلى أنوار الإيمان، وحلت بنا البركات، والشاهد على ذلك القرآن الكريم أعظم معجزات رب العالمين على الأرض، ففيه أخبار الأمم جميعا، بإعجاز أعيا أهل اللغة أنفسهم، بحسن بديعه، وجمال بلاغته، وما فيه من دقة في التعبير، وسلامة في اللغة من حيث النحو والصرف، وغيرها من المعجزات الأخرى التي صورها خاتم الكتب السماوية بدقة متناهية وبديعة، فضلا عن إعجازه في كل شي، (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
* وبما بعث به صلوات ربي وسلامه عليه من عدل وخير ورحمة أضحينا بذلك خير أمة أخرجت للناس، على أن نعمر الأرض أمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، بمنهاج السماء، وشريعة المعبود الأوحد، بهدي أبينا إبراهيم عليه السلام، وذبيح الأمة الأول سيدنا إسماعيل عليه السلام، وتمام الدين بابن ذبيحها الثاني سيدي وسيد آبائي والناس أجمعين صلى الله عليه وسلم.
* وبهدي من سبقه من الأنبياء والمرسلين، لذا فإن الكتابة عن رجل بوزن أمة أمر غاية في الصعوبة، ويكفي أن اسمه مرتبط بالمولى جل جلاله، فيا لها من تكرمة، ويا لها من رفعة.
* مرت ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين هذه الذكرى العطرة على أمتنا وهي في حالة توهان وشرود، وقد مزقتها الصراعات، واصطلت بنيران الحروب، وتفشت بينها النعرات القبلية، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وجنحت الأمة لنعيم الدنيا الزائل تاركة خلف ظهرها أمر التكليف والأمانة التي عرضت على غير بني البشر فأبوها، ولأجلها خلق الإنسان.
* ولكي نستعيد ما فقدناه لابد أن نراجع تصرفاتنا كلية، ونصحح معتقدانا المجافية لهديه صلى الله عليه وسلم.
* ولتكن البداية بالمولد الذي قالت عنه الأعاجم قبل العرب ما لم يقله مالك في الخمر، ولنربي أبنائنا على ما كان عليه سيد الأوابين وصحابته الذين هم كالنجوم، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، كل عام وأمتنا بخير وتقدم، بالتراحم والتكافل، وبتدبر كتاب الله تعالى، وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
اترك رد