الموظفة الأممية “سابقًا” والباحثة الاجتماعية د. سارة أبو: من الجريف إلى أسوان) كانت أسوأ رحلة في حياتي .. في هذا المكان (….) بكيتُ على الوطن بشدة..
هذا ما حدث فى ارتكاز الدعم السريع
نجوم في الحرب
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الموظفة الأممية “سابقًا” والباحثة الاجتماعية د. سارة أبو لـ”الكرامة”:
اتخذت قرار المغادرة بعد سقوط دانة بمنزل جارتي
خرجنا عبر “زقاقات” بري وصولًا للمنشية
عسكري جيش (أداني كباية قهوة وشعرت بالخطر فات)
هنا (….) تعطلت بنا السيارة
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة. ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيفة مساحتنا لهذا اليوم هي د. سارة أبو الموظفة الأممية سابقًا والباحثة الاجتماعية، فماذا قصت عن تجربتها مع الحرب:
*أول يوم الحرب؟
يوم صعب.
*أين كنتِ؟
كنتُ في منزلي بحي الصفا جوار طلمبة النحلة التي تقابل القيادة العامة.
*لحظة اندلاع الحرب؟
استيقظنا على دوي قوي جدًا في حوالي التاسعة صباحًا.
*ثم ماذا؟
طبعًا في الأيام التي سبقت الحرب إنتابني شعور غريب.. كنت أشعر بأنّ شيئًا ما يدبر.
*كيف؟
مساء الخميس كنت رفقة أسرتي بنادي الخرطوم وعدنا في حوالي الثانية صباحًا.. كان ملفتًا وجود عربات مظللة تمشي بسرعة غير طبيعية لدرجة أننا لم نتبين من هم وما وراءهم، أوقفت العربة وسألت عسكري مرور (ديل منو)؟ كان رده (أنّا ذاتي ما عارف حاجة)، ثمّ الساعات التي سبقت الحرب كانت هنالك مؤشرات بأنّ الأمور ليست على ما يُرام عربات عسكرية تطوف وتجوب الشوارع القريبة.
*مع دوي الضربة الأولى ما الذي تبادر إلى ذهنك؟
تخيلت أن يكون انقلابًا داخل الجيش.
*لحظات عصيبة؟
لحظات صعبة لا توصف.. استيقظنا أنا وابنتي وابنها الصغير على دوي الضربة التي كانت حوالي الساعة التاسعة صباحًا.
*وبعد ذلك؟
(ما كنا فاهمين أي حاجة)
*علمتي بأنّ الحرب اندلعت؟
أبدًا.. كنا على الأرض مع الضربة والرصاص، المنزل كان يهتز بشدة والشبابيك المغلقة فتحت، حينها تحدثت مع ابنتي (قلت ليها البلد بقت ما بلد قعاد) ووافقتني، فتحنا التلفزيون القومي (لقيناهم مشغلين أغاني)، ثمّ اتصل علي ابني من أمريكا وأبلغني بأنّ (الحرب قامت في البلد).
*ماذا فعلت بعد تلقي اتصال ابنك؟
أصبحنا نتبادل الاتصالات مع الأُسرة الكبيرة وسط شعور بالخوف والقلق.
*كيف مضى اليوم الأول من الحرب؟
مضى ونحن على الأرض.
*متى اتخذتِ قرار مغادرة منزلك؟
بعد سقوط دانة بمنزل جارتي والتي نجا ابنها بأعجوبة، حيث صرخت صرخة لازال صداها راسخًا في مخيلتي حتى الآن، وحينها قررت المغادرة بعد ثلاثة أيام قضيتها بالمنزل منذ اندلاع الحرب.
*أين كانت الوجهة؟
الجريف غرب.
*ما بين التحرك من منزلك وحتى وصلت وجهتك الثانية كيف كانت التفاصيل؟
خرجنا بالاتجاه الشرقي بزقاقات بري وصولًا للمنشية.
*هل قابلتكم أي قوات للميليشيا في طريقكم؟
كنا نراهم من بعيد على الشوارع الرئيسية ونحن نمر بالزقاقات.
*كم مكثتي في الجريف؟
أربعة أيامٍ ثم تحركنا مباشرة لمصر.
*وكيف كانت الرحلة من الجريف غرب لمصر؟
أسوأ رحلة في حياتي.
*لماذا؟
تخيل أنني عملت لـ34 عامًا موظفة أممية وطفت مع اللاجئين بحكم عملي دولا عديدة وحضرت “الميل 40” وزرت “أبشي والجنينة”، لكن هذه اللحظات التي تحركت فيها من الجريف في الطريق لمصر كانت أصعب لحظات في حياتي، حيث كنا نرى الخطر في كل الأماكن خصوصًا (أخوي وعياله الخمسة واختي وعيالها الأربعة).
*الرحلة كانت شاقة؟
شاقة جدًا حيث ذهبنا بكبري سوبا الجديد مرورًا بحطاب ثم
المزارع التي بعد حطاب.
*وبعداك؟
(أمشي يا العربية اتعطلي بينا في مكان خلا).
*اسودت الدنيا طبعًا في عيونك؟
إحباط شديد.. حيث تعطلت وظلام الليل وظلام المصير يحيط بنا من كل جانب.
*كيف عبرتم هذه المحنة؟
أقدار طبعًا.. جاؤوا إلينا أهل قرية أظنها بالقرب من مكان تعطل الباص حيث وصلوا بالبطاريات وجلبوا الماء وتم تصليح العطل، ولكنّ أهل القرية من الشباب سالونا الى اين أنتم ذاهبون؟ فرد عليهم السواق قائلًا لهم (نصل قندهار)، فردوا عليه بأنّ البص مسخن ويجب أن يأخذ حذره فاضطر السائق لإغلاق المكيفات والأنوار.
*ثم ماذا؟
وصلنا أم درمان والسواق فجأة قال (يا لطيف) أُصبنا بالرعب، دبابة كانت محترقة.
*أهوال السفر؟
الأهوال كانت لمن قابلنا ارتكاز دعم سريع خشوا جوة العربية وفتشوها.. مشاعر خوف ما طبيعية.. خفنا على العيال.
*وبعدها؟
كل الخير.. أخيرًا ارتكاز جيش.
*ماذا كان الشعور؟
راحة شديدة حيث الأمان.. (عسكري جيش أداني كباية قهوة الوقت دا شعرت بأنّ الخطر خلاص فات).
*وهل كان هذا الخطر الأخير؟
يا ريت.
*ليه؟
وصلنا قندهار الواحدة صباحًا وافتكرت الخطر زال.. فجأة (نلقى المساجين المرقوا من السجون قدامنا).
*(اتصرفتي كيف)؟
لقيت واحد فيهم مربط بالجنازير.. العيال كلهم كنكشوا فيني.. سألته (إنتو منو فرد عليّ قائلًا: نحن مساجين مرقنا من السجن).
*واصلي؟
(قال عايزين قروش واديتم قروش وفاتوا).
*(وصلتي لأي قناعة)؟
(حسيت البلد ضاعت كنت على مضض عايزة أطلع من البلد).
*استمرت الرحلة؟
نعم تحركنا 6 صباحًا ببص آخر وتعطل مرة أخرى لذات السبب وعدنا لقندهار ولم نجد فيها أي بص حتى اضطر أبناء أخي لإصلاح البص وجلبوا إسبيرات وبعدها تحركنا لم ولم نتوقف إلّا في دنقلا.
*وبعد دنقلا؟
شعور ب(الحر والتراب ولا أكل ولا شراب).
*كم مكثتي فيها؟
صلينا المغرب والعشاء ثم وصلنا المعبر 3 صباحًا.
*أخيرا فى معبر أرقين؟
نعم وشاهدت الشرطة السودانية أشرت لنا ونحن في البص وتم تمرير “الشنط”.
*أثناء إجراءات العبور؟
بكيت على الوطن بشدة.
*فى أسوان؟
مكثنا يومين في أسوان ونزلنا في (هوتيل).
*الحرب طالت؟
من الضربة الأولى عرفت إنو الحرب ستأخذ سنينا بحكم عملي في بالي تجارب دول أخرى أزرتها .
*الناس لسه عندها أمل الحرب تنتهي؟
بحكم تجربتي قلت ليك مع اللاجئين الإريتريين وغيرهم عرفت أنّها ستطول.
*شعور أنك لاجئة؟
بالنسبة لي لم افكر فيه كثيرا لأنّ إحساسي تجاه (الكانوا لاجئين بحس بيهم ضيوف في البلد وظروف تعدي ودائما بقارن بالموت الكنت ح اموتو).
*أسوأ شعور؟
فقدنا كل ما نملك خسارة 34 سنة خدمة.
*الحياة بعد الحرب؟
حاجة عرضية لا قيمة لها.
*بعد مرور عام؟
(لما تمينا سنة يادوب بديت أخطط إني ما راجعة السودان قريب).
حتى لو الحرب انتهت؟
طبعا إذا انتهت الحرب ساعود وعلى ضريبة للوطن (لازم أقدمها والسويتو ما كفاية).