المقالات

بين خطاب الكراهية وهموم العيش المشترك بقلم: محمد يوسف محمد

( لا يولد إنسان يكره إنساناً أخر بسبب لون بشرته أو دينه، فالناس تعلمت الكراهية , فإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب، خاصة وأن الحب أقرب إلي قلب الإنسان من الكراهية ) ، تلك العبارات الخالدة التي مثلت شموعا أضاءت وعبدت الطريق امام المحبين للحياة الانسانية بفطرتها السليمة أطقلها الملهم و الزعيم الخالد نيسلون مانديلا بعد أن قضى 27 عاما في سجون نظام الفصل العنصري ، خرج بعدها ليؤسس لرسالات الحب ويجعل منها قناديلا منيرة وطريقا للحياة وأساساً متيناً للعيش المشترك القائم على التسامي فوق المرارات وترك سلوك الثأر والإنتقام وبناء وطنا قوامه المساواة في المواطنة و الحقوق والواجبات.
ذاك هو الطريق الذي ما زال يتصل برغبة جادة وعمل دؤوب من كل الوطنيين الخُلص الذين يرون في تنوع شعوب اي بلد عنصرا للثراء ودافعا للتعايش السلمي واداة هامة لتطور المجتمعات والبلدان وإزدهارها، ففي السودان المتنوع في مناخاته ومجموعاته الاثنية و الثقافية عاش الناس عقودا من الزمان في تالف وتواصل لا تحده حدود واختلاط بين شعوب السودان وتكامل بديع أنتج القيم والعادات والاخلاق السودانية السمحة التي أرخ ووثق لها تاريخنا واغنياتنا واشعارنا عبر الحقب الزمنية المختلفة وصارت محل فخر وإعزاز لنا بين شعوب الارض، غير أن المؤسف أن نرى في العقود الأخيرة تحولات وانحرافات كبيرة في منظومة القيم وحالة من التفكك قد اصابت النسيج الاجتماعي و الثقافي وأسست لخطاب جديد يقوم على الكراهية و التكريه المبني على الميول السياسية والقبائلية و الجهوية و المواقف السياسية، وقد أفرز هذا الوضع حالة من الاحتقان المجتمعي وتسببت في صراعات بين عدد من مكونات المجتمع أفضت احيانا لحروب أهلية، وتطورت هذه الحالة بفعل سياسات الانظمة الشمولية التي أسست مشروعاتها على ولاء القبيلة وتقسيم المجتمعات وإعلاء بعضها على الاخر بادعاءات النقاء العرقي احيانا و الاستعلاء الثقافي والتمييز القائم على اللون والدين واللغة والنوع وغيره أحيانا كثيرة، وتبدو هذه الظاهرة أشد وضوحا في خطاب الكراهية الشديد الذي نتج عن حرب ابريل 2023 والذي قاد لما يشبه حرب اهلية شاملة على مستوى المجموعات السكانية والقبائل وأحدث حالة من الإصطفاف الواضح وإنعكس على العلاقات الاجتماعية وهز الثقة بين مكونات المجتمع.
يتعارض هذا الوضع بطبيعة الحال مع تطلعات ورغبة المجتمع السليم في التعايش وقبول الاخر و العيش المشترك، ففي كثير من الفعاليات و اللقاءات التي تجمعنا بعامة الناس يتحدثون عن هذه الازمة بأسى بائن ويرفضون كل اسباب التمييز والكراهية وتجد الجميع حريصون على التعايش ويلقون باللوم على السياسات التي أدت لتلك الحالة من الكراهية والتطرف والتعصب بين مكونات المجتمع ذات الرصيد الايحابي الزاخر بنماذج التواصل و العيش معا لعقود طويلة، لمست ذلك في اخر ورشة نظمتها منظمة الاعتدال للحوار وبناء السلام بمدينة الدمازين في سبتمبر الجاري عن تعزيز الوئام و التسامح عبر مكافحة خطاب الكراهية ، وشهدت التفاعل الكبير و الصدق و الرغبة الاكيدة من المشاركين في نبذ خطاب الكراهية والتي عانى منها إقليم النيل الأزرق كما باقي مناطق السودان، وتمثل هذه الفعاليات منصات ضرورية للتذكير والنشاط و العمل الجاد لحشد طاقات المهتمين بالسلام المجتمعي من قيادات دينية وأهلية وشبابية ونسوية ونشطاء المجتمع المدني، لاعادة بناء قيم التعايش السلمي و قبول الاخر بين هذه المجتمعات وتعزيز الوئام والتسامح و المحبة عبر ربوع الوطن الحبيب وصولا للتعافي التام و السلام المستدام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!