★ بما أن معالجة الأزمة السودانية مرتبطة بشكل وثيق بطريقة تفكير القوى السياسية، كمنظومات يحق لها ممارسة السياسة، وما يقابل ذلك من ردات فعل عكسية للشارع يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأزمة (مستفحلة)، وأن أية محاولة للملمتها ستصطدم بغليان الشارع المحبط من نتائج هذه الممارسة.
★ لمعالجة الأزمة لابد من تحديد موضعها بالضبط، ومن ثم البحث عن حلول لها، فمعاناة الشارع لا يمكن النظر إليها من زاوية محددة، فهي نتاج لتراكمات، اتسعت دائرتها نتيجة لإهمالها، ولا أستطيع التكهن بأن ذلك متعمدا، بقدر قناعتي بأن الأزمة في الأصل عميقة، وأن الظرف الحرج الذي تمر به البلاد ساهم بقدر كبير في أن تظهر بهذا الحجم.
★ الأزمة في المقام الأول سياسية ناتجة عن عدم اتفاق السودانيين على نظام أو سلطة بعينها، وإحساس كل قوى سياسية بأنها صاحبة الحق في (التغيير).
★ وبما أن الأبواب (مفتحة) لأي بضاعة سياسية، وفي إطار التداول السلمي للسلطة، فقد سعت القوى السياسية من خلال عرضها السياسي لكسب ود الشارع كل على حده.
★ وإن كانت المرحلة تحتاج إلى برنامج متكامل يخاطب جذور الأزمة بأبعادها الاقتصادية، وتحولاتها السياسية، ومدى استجابتها لتطلعات مجتمعاتنا.
★ الذي توقعناه أن تنبري كليات العلوم السياسية، ومراكز صناعة القرار السياسي، في دعم توجهات البلاد نحو الحكم المدني الذي يرسخ لديمقراطية مستدامة، ببرنامج يراعي التحولات السياسية ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
★ برنامج يعمق مفاهيم المواطنة، ويعبد في الوقت ذاته الطريق نحو انتخابات شفافة، ولكن قبل ذلك لابد من تهيئة الأجواء بإزالة أسباب الشحن السياسي، والحد من حالة الاحتقان التي نرى عليها الساحة السياسية.
★ بيد أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وإن كنا نأمل سماع صوت للتكنوقراط، ربما كان لهم مشروعاً لبناء دولة ناهضة، لكن حالة الشد والجذب بين الكيانات السياسية الحاكمة والجالسة على رصيف المعارضة، والتباين الحاد في وجهات النظر حول كيف يحكم السودان ؟ جعلت مساهمتهم دون الطموح.
★ كل ذلك والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد قد بددت قناعات الكثيرين، وقادت للقول بأن أي مبادرة لا تعدو أن تكون سوى أنها مدرجة تحت مصلحة حزبية ضيقة، والشارع من الناحية الأخرى قد حدد حاجاته.
★ قناعتي الشخصية بأن الشعب هو سيد الموقف، وهو الوحيد الذي بمقدوره تحديد من الأصلح بتكامل وعيه وبقناعاته بالحلول التي تخدم حاضره والمستقبل، لا المسكنات التي بزوالها يعاود المريض الألم.
★ الإصلاح السياسي مشروع متقدم من حيث الأفكار المحشودة له، وآلية تنزيله على أرض الواقع، دعونا في البدء نتفق أن بالممارسة السياسية (خلل) لم نتخلص منه منذ فجر الاستقلال، نتيجة (للتنظير) الذي لم يستصحب الرؤية الشاملة لرسم الخارطة السياسية لبلد متعدد الاعراق ومتباين في المنطلقات والقناعات.
★ وبما أن الشفافية مبدأ لرجاحة النظم السياسية، بتلمسه لتطلعات الشارع الذي لا يقبل (برمادية) المواقف، وتقتضي الأمانة أن تنطلق التحليلات السياسية من نقطة جوهرية.
★ معيار العدالة بحاجة ماسة إلى صياغة مختلفة، ينتج عنها تحرك حقيقي، يحدد الثوابت حسب القانون والعرف، مع إمكانية تمريرها من أدنى سلطة إلى أعلاها، وما أيسر على أهل القانون بناء هرمية واقعية للسلطات قضائية كانت أم تشريعية أو حتى تنفيذية، بجانب حرية التعبير والممارسة السياسية.
★ البعد الاقتصادي للأزمة يوازي البعد السياسي، إذا كان الشعب قد قالها ب(الفم المليان) إنه صبر على الغلاء، وضيق العيش، عسى أن تتوصل الحكومة لحلول جذرية ترفع بها عن كاهله المعاناة، بيد أن الأزمة في تزايد مضطرد، وكمثال لا حصر: انخفضت أسعار المحروقات في البلاد في الأيام الفائتة، ولم تنخفض تعرفة المواصلات !! ولا انخفض سعر سلعة !! فكيف للشعب أن يصدق بأن الإصلاح الاقتصادي قد طال حاجاته الضرورية ؟
★ لم يعد بالمقدور السيطرة على السوق وهذه نتائج سياسات التحرير الاقتصادي، فخروج الدولة عن السوق يلقي بالتبعات على القطاع الخاص ليقوم بالأعباء، ومع تراجع قيمة العملة الوطنية اضطر التجار لمجاراة السعر في السوق الموازي.
★ الذي أتعجب له أن سعر الصرف قد باتت تحكمه مصالح فئات معينة أكثر من الضوابط، وهذا ما يجعل أسعار السلع في تذبذب.
★ عليه فإن معالجة الخلل الاقتصادي إن تمت وفق رؤية متوازنة وناجعة، سينتج عن ذلك رضا يمكن تلمسه، يقود في الأخير إلى (تهدئة الشارع)، وسيمهد الطريق لرسم خارطة طريق تخاطب جذور الأزمة.
★ خطورة التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي إن لم يعاد النظر فيها بما يحفظ لبلادنا تماسكها، وانعتاقها من براثن أصحاب المصالح الذين يلعبون على كل الحبال، فإن الأزمة لن تبرح مكانها.
★ لنا المساهمة في بلورة رأي عام مستقل ينحاز للقضية، بالكشف عن أبعادها، ومن ثم القفز إلى الحل، في حدود المعرفة، عسى أن يصب ذلك في خانة بلورة برنامج عمل فيه مخارج آمنة للأزمة، وقديما قيل:(التفكير يسبق التدبير).