أذكر إنه وفي النصف الأول لتسعينيات القرن الماضي ، أنني كنت ضمن فريق تلفزيوني ، نقوم برحلة شاقة ، عن طريق السيارات إلى حقل عداريل في ولاية أعالي النيل ، وذلك للوقوف على سير أعمال التنقيب عن النفط ، في ذلك الوقت ، وكانت هناك شركة نفط قطرية تقوم بالتنقيب هناك ، وكان فريقنا التلفزيوني يضمّ عدداً من المصورين وفنيي الصوت ، وقد كنت معدّا للبرنامج الذي حمل إسم ( من الخرطوم سلام ) مكلفاً بإعداد وتنفيذ حلقة السبت من كل أسبوع ، بينما يقوم بإخراج الحلقات زميلنا المخرج التلفزيوني المبدع ، معاذ موسى ، وهناك ، إلتقينا دون سابق موعد بالدكتور عوض أحمد الجاز ، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير النفط ، وعلمنا ما لم نكن نعلم عن قصة البترول في بلادنا ، رغم أنني كنت أحسب إن لدي معلومات جيدة ، إستقيتها من مصادر مختلفة ، لكن أهمها كان ما إستقيته من الراحل المقيم الدكتور شريف التهامي رحمه الله .
الإنتاج النفطي في السّودان بدأ في حقول « أبوجابرة » و «شارف» ، ليلحق بهما حقل «عداريل » ، ثم «هجليج» وبلغ إنتاج النفط حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي ، حوالي ثلاثة ملايين برميل ؛ وبلغ الإنتاج الفعلي منتصف العام 1999 م أكثر من مائة وخمسين ألف برميل ، وتصاعد حتى وصل إلى حوالي ستمائة ألف برميل يومياً ، قبيل إنفصال جنوب السودان عن شماله .
نتّفق مع الإنقاذ أو نختلف ، لكنها أسست لدولة لها رؤيتها وبرنامجها ومشروعها السّياسي ، وقد تحدّت المقاطعة الإقتصادية الأمريكية والغربية ، ولم يقف معها إلّا بعض دول الشرق ، وفي مقدمتها الصين وروسيا ، والأشقاء العرب ، الذين تعاملوا مع نظام الحكم السابق في السر والعلن ، وهم لم يكونوا إلّا داعمين للشعب السّوداني ، ونحسب أنهم لا زالوا ؛ ولكن دولة الإنقاذ تلقّت أول ضربة من قبل الغرب بفصل الجنوب عن الشمال ، فلم يستقر الجنوب ولا قوي الشمال ، فقد تنازعته أيادي التمرّد المسلح ضد الدولة بقصد إنهاكها حتى درجة السقوط ، و إنجرّ كثير من المعارضين في طريق محاربة الدولة وهم يحسبون أنهم يحاربون الحكومة ، وقد وجدوا الدعم من الخارج وظن كثير منهم أن الحكم سيؤول إليهم حال سقوط نظام الحكم .
هناك مقولة يرددها العسكريون عندما تكون هناك معارك دائرة ، فيقولون مقولتهم تلك : ( إذا كان الطريق أمامك سالكاً فأعلم أنك منقاد إلى كمين ) وقد كان .. لقد بدأ الغرب يطالب بسداد الفواتير ، إذ ليس هناك دعم مجاني ، ولا خدمات بلا مقابل .
البترول وبقية الموارد هو ما يشغل الغرب وكل الطامعين ، ومع إنفصال جنوب السودان ، تراجع إنتاج البلاد من النفط إلى مائة وعشرين ألف طن برميل يومياً ، نصيب الدولة منها أقل من النصف قليلاً ، وظللنا نحلم بأن يرتفع الإنتاج إلى أكثر من مائتي ألف برميل ، بعد تشغيل الحقول المعطّلة بسبب الحروب والتوترات الأمنية ، وزيادة الإستثمار في الإستكشاف والتنقيب والإنتاج ، لكن هذا لم يحدث بعد ، لأن الأيدي الخفية لا زالت تحارب من أجل إبقاء الحال على ما هو عليه ، بل إن سياسة الدولة الرامية إلى توفير المشتقات البترولية وفتح الباب أمام شركات القطاع الخاص للتنافس في إستيرادها ،لم ترُق لأصحاب الجيوب الواسعة والكبيرة ، سواء في القطاع الخاص او العام ، ويمثلهم نموذجان أرادا الدخول في معركة لإحتكار إستيراد النفط والتحكّم في أسعاره دون مراعاة لأحوال المواطن ولا لأحوال الوطن ، فقد بدأوا معركة لن يكسبوها ، ولابد لنا أن نقف لهم بالمرصاد ، ولابد من تدخّل عاجل من أعلى جهة سيادية لإيقاف هذا العبث ، ونقول لهؤلاء الذين يريدون مص دماء الشعب ، ونهب مقدراته ، إن كانوا يريدون خيراً بأنفسهم وبالآخرين ، عليهم أن يتجهوا للإستثمار في الحقول النفطية المعطلة ، وأن يعملوا على رفع مستوى الإنتاج فيها .
Email : sagraljidyan@gmail.com