المقالات

بايدن والقرن الإفريقي ،..وملامح تغيير السياسات والآليات الأمريكية (2).. بقلم عمار العركي

 

 

– لفائدة القاريء، نُشير إلي مقالنا السابق،والذي تناولنا فيه أهم ركائز الإستراتيجية الأمريكية الخاصة بمنطقة القرن الإفريقي، حيث أوضحنا أن الولايات المتحدة الأمريكية أعادت صياغة تصوراتها حول المنطقة من الناحية الجيواسترإتيجية، بمفهوم لا يُلغي الميزات القديمة،وإنما يضيف إليها أبعاداً وموضوعات متعدية لحدود التعريفات التقليدية، حيث إنطلقت خطة إعادة الصياغة بشكل عملي في مطلع العام 2018م،والتي بدأها المساعد السابق لوزير الخارجية الامريكى للشؤون الافريقية (دونالد ياماماتو).
– كما أشرنا إلي إختلاف مرتكزات الإستراتيجية الأميركية في إفريقيا عموماً والتي كانت قبل إدارة الرئيس بيل كلينتون ترتكز على تقديم (المساعدات والمنح)، ثم جاء كلينتون ليدشن قانون (الفرصة والنمو) في أوائل هذه الألفية، والقائم على فكرة المنفعة المتبادلة، إلا أن ترامب سعى إلى إلغاء هذا القانون، ووضع قواعد أخرى، تقوم على (تحقيق مكاسب فقط)، لذا تراجع حجم الدعم المخصص لأفريقيا في المنظمة الأميركية للمعونات (USAID) إلى أقل مستوى له.
– في هذا المقال سنتناول ملامح التغيير في السياسية الأمريكية للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس (بايدن)، والتي سبق، وأن أشار إليها كمرتكزات بديلة ضمن برنامجه الإنتخابي، مصتصحباً إخفاق سلفه (ترمب)، بيد أننا نعتقد أن الملمح الرئيس والمهم هو إعتماد (بايدن) إسلوب (التعامل المباشر) ،المصحوب بتفعيل للآليات الإستراتيجية الأخري، التي تم إيقافها في السابق من قبل إدارة (ترمب) الاي إعتمدت بشكل أساسي علي آلية (الحلفاء الإقليميين).
– عمل (بايدن) علي الإستفادة من مميزات الثُقل والنفوذ والتأثير المباشر،بتعيين ولأول مرة مبعوث خاص للقرن الإفريقي (جيفري فيلتمان) كمؤشر إستبدال لآلية (الحلفاء الإقليميين) ،والتي فشلت في تطبيق إستراتيجية التغيير وإعادة الصياغة،حيث تولدت أزمات وحروب نتيجة لمحاولات التطبيق،علي سبيل المثال: التغيير السياسي في أثيوبيا وخطة التصالح والتقارب بين أثيوبيا والصومال من جهة، وإرتريا من جهة أخري أفرز تحالف ثلاثي تسبب في حرب أهلية داخل أثيوبيا زادت من توترات المنطقة ،والاي،صاحبها إدانات وإتهامات لأثيوبيا وإرتريا بسبب إنتهاكات حقوقية وجرائم حرب ضد الإنسانية،وإمتدت تأثيراتها السالبة علي دول الجوار الأثيوبي ، إرتريا ،السودان، الصومال ،جنوب السودان ، كما أن مساعي التغيير في (اليمن) أفرز أزمة شبيهة ،بل أكثر تأثيراً، إضافة إلي فشل فكرة إنشاء (تحالفات محلية)،أتي بعكس ماهو مطلوب،مثل تجمع دول التعاون الإقتصادي ،مجلس الدول الثمانية المطلة علي البحر الأحمر وخليج عدن ، تحالف (عاصفة الحزم) في المسألة اليمنية،والذي ضم دولاً في قائمة التغيير الأمريكي مثل (السودان وإرتريا)، مما أعاق التغيير في السودان ،والذي صادف وأن جاء متأخراعن طريق ثورة شعبية ، بيد أن لا زالت إرتريا تقاوم التغيير.
– إبداء الجدية والعملية الأمريكية في إعمال مبدأ التعامل المباشر، من خلال الجولة المأكوكية التي قام بها المبعوث(جيفري) لكل من مصر،السودان ،أثيوبيا عقب تعينه مباشرة،والتي جاءت إستباقاً لقُرب آوان المليء الثاني لسد النهضة من قبل أثيوبيا،في ظل تهديد مصري وممانعة سودانية،إضافة للأزمة الحدودية بين السودان وأثيوبيا وتزايد تدهور الأوضاع بإقليم التقراي الأثيوبي
– كذلك تبدو عدة ملامح مصاحبة لإقرار الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات علي (أثيوبيا)،والتي سبقتها أخري مماثلة علي (إرتريا)،جراء تداعيات حرب إقليم جبهة التقراي ، الملمح الأول،يُظهر الجانب التطبيقي العملي لإسلوب (سياسة العقوبات) الذي يتبناه الحزب الديمقراطي الأمريكي في سياسة العلاقات الدولية،والذي يعد أبرز ملامح التغيير في سياسة الإدارة الحالية مقارنة بالسابقة، الملمح الثاني، يتضح في أن تلك العقوبات تعد الأولي ضد دول أفريقية في عهد (بايدن)،وإعلانها جاء عقب ختام جولة المبعوث(جيفري) وعودته لبلاده، مما يشير إلي أن نتائج جولة (جس النبض) لم تكن في صالح أثيوبيا، الملمح الثالث تأكيد علي أن الإدارة الديمقراطية عازمة على إظهار (العصا الغليظة) في منطقة القرن الأفريقي.
– في ذات السياق، وكنوع من ملامح التغيير في السياسيات والآليات الأمريكية والتي من بينها (إعادة النظر في التحالفات والأدوار المطلوبة منها)،وبعد إعادة قراءة تلك الملامح مع عدة وقائع حدثت بالمنطقة بالتزامن،الممثل في الغياب التام للسعودية وإنسحاب الإمارات من مشهد (الفشقة)، أعقبه مباشرة ظهور مفاجيء (لقطروتركيا) علي مسرح الأحداث، عقب إنجاز قطر- وبهدؤ تام – مهمة الوساطة وإنهاء الخلاف والقطيعة بين الصومال وكينيا بسبب الأزمة الحدودية البحرية التي نشبت بينهم قبل ثماني أشهر.
– فيما ذهبت المحللة الإستراتيجية وخبيرة الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية الدكتورة (أماني الطويل) في تحليلها للزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلي جمهورية جيبوتي قائلة “علي الرغم من الربط المباشر الذي يجري حالياً في الأوساط الإعلامية وغيرها، بين زيارة الرئيس السيسي لجيبوتي وبين أزمة سد النهضة إلا أنه في واقع الأمريبدو أن هذه في إطار أكبر مرتبط بإتجاهات للتموضع الإقليمي المصري ، الذي لا يرتبط فقط بسد النهضة ،ولكنه يستجيب لتحديات متنوعة”
– عموماً، نتوقع بأن منطقة القرن الإفريقي ستشهد تطورات (دراماتيكية) وتحولات إستراتجية تتعدي خطة التغيير وإعادة صياغة المنطقة ، لتشمل التغيير وإعادة ضبط مصنع التحالفات الإقليمية ، وطالما السياسية عموماً لا تعترف بالثابت وتدين بالمتغير ووفقاً للمبدأ الأمريكي الراسخ (المصالح الأمريكية أولاً) كما هو الحال الراهن في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران وتركيا، لا أستبعد سناريو أمريكي مستقبلي لخلق تحالف (إقليمي إستراتجي مصري قطري) لإتمام خطة تغيير وإعادة صياغة منطقة القرن الإفريقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!