
تقرير: سليمان سري/ عزة برس
بدأ المخلصون وعمال الشحن والتفريغ وأصحاب المحلات التجارية في معبر أرقين الحدودي بمحلية وادي حلفا في الولاية الشمالية، تنفيذ إضراب شامل عن العمل احتجاجاً على قرار صادر عن وحدة إدارة النقل البري والمعابر التابعة لوزارة النقل، يقضي بإزالة مساكنهم ومراكز الخدمة الملحقة بالمعبر ونقلها إلى منطقة صحراوية تبعد أكثر من كيلومترين عن الموقع، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية. هذا التحرك الجماعي جاء كرد فعل مباشر على ما وصفه العاملون بأنه إجراء تعسفي يزيد من معاناتهم ويهدد استقرارهم المهني والمعيشي.
مهلة الإزالة
القيادي المدني بمحلية وادي حلفا، محمد الفاتح بشنق، أوضح في تصريح لراديو دبنقا أن الإضراب مرتبط بمشروع توسعة المعبر، مشيراً إلى أن اللجنة المكلفة بعملية الإزالة منحت أصحاب المحلات التجارية مهلة لا تتجاوز 48 ساعة لفك وإزالة الأكشاك، في وقت يُقدّر فيه عدد المتضررين بنحو 600 شخص. وأكد بشنق أن الموقع البديل الذي حُدد للترحيل عبارة عن منطقة صحراوية معزولة تفتقر إلى المياه والكهرباء والاتصالات وحتى نقطة الشرطة، ما يجعل القرار غير قابل للتنفيذ من وجهة نظر العاملين.
تهديد التجارة
واعتبر بشنق أن الإضراب من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل حركة التجارة الحدودية بين السودان ومصر، حيث يشهد المعبر يومياً عبور ما بين 80 إلى 100 شاحنة. كما كشف أن الشاحنات والبصات السفرية التي تقل السودانيين العائدين ضمن برنامج العودة الطوعية من مصر تم تحويلها يوم الإثنين إلى معبر أشكيت، بدلاً من أرقين، ما يعكس تأثير الإضراب على حركة النقل والعبور. وأشار إلى أن توقف العمل في المعبر قد يؤدي إلى خسارة مالية يومية تُقدّر بثلاثة تريليونات جنيه سوداني، محذراً من أن استمرار الإضراب المفتوح سيضاعف من حجم الخسائر ويعقّد إمكانية احتواء الأزمة.
تنفيذ القرار
وأوضح بشنق أن إنذارات سابقة كانت قد وُجهت إلى المتضررين قبل أشهر، إلا أن القرار دخل حيز التنفيذ رسمياً يوم الإثنين بعد تسليم الإخطارات، وسط حالة من التوتر والرفض الجماعي للترحيل. وأكد أن العمال لا يزالون متمسكين بموقفهم الرافض، في حين لم تباشر اللجنة المختصة تنفيذ الإزالة حتى الآن. ووفقاً لمصادر من داخل المعبر، فإن السلطات الأمنية مارست ضغوطاً وتهديدات على العمال لإجبارهم على فك الإضراب، مشيرة إلى أن القرار الحالي يخص أصحاب المحلات التجارية فقط، بينما لم يشمل المخلصين والعمال في هذه المرحلة، مع تأكيدات بأن الإزالة ستتم حتى باستخدام القوة.
خلفية القرار
وكانت وحدة النقل البري والمعابر قد أصدرت في يونيو 2024 قراراً يقضي بإزالة كافة المباني الملحقة بمعبر أرقين، بما في ذلك المحال التجارية والمطاعم ومساكن العمال والمخلصين، بهدف إزالة ما وصفته بـ”المظاهر العشوائية” وإعادة تخطيط المعبر وتحسين واجهته الحضارية. غير أن القرار قوبل برفض واسع من جميع المتضررين، الذين اعتبروا أن الخطوة تفتقر إلى العدالة ولا تراعي الظروف المعيشية للعاملين في الموقع.
رفض جماعي
المتضررون أعربوا عن استيائهم من القرار، مؤكدين أنه يشمل إزالة أكثر من 500 محل تجاري ومساكن للعمال دون توفير بدائل مناسبة، حيث تم اقتراح منطقة صحراوية خالية من الإعمار والخدمات كوجهة بديلة. وأشاروا إلى أن إدارة المعبر أبلغتهم العام الماضي بأن التعامل سيكون عبر التعاقد مع الدولة وفق منشور وزارة المالية الخاص بالإيجارات، وذلك من خلال تقديم طلب ودفع الرسوم المقررة عبر أورنيك 15 حسب المساحة، إلا أن هذه الإجراءات لم تُنفذ بشكل عملي حتى الآن.
شكوك ومخاوف
أصحاب المحلات والمطاعم عبّروا عن شكوكهم في نوايا وحدة النقل البري، متهمين إياها بالسعي لإبعادهم إلى منطقة نائية بهدف إعادة تخطيط الموقع الحالي لصالح مستثمرين جدد، على أن يتم تأجير المساحات لهم لاحقاً بالباطن. هذه الاتهامات تعكس حالة من عدم الثقة بين العاملين والجهات الرسمية، وتثير تساؤلات حول مدى شفافية الإجراءات المتبعة في إدارة المعبر.
أزمة خدمات
يواجه معبر أرقين الحدودي مع مصر تحديات مزمنة على صعيد الخدمات، إذ يعاني من تردي واضح في البنية التحتية وتكرار طفح مياه الصرف الصحي، ويعتمد على مولد كهربائي غالباً ما يتوقف عن العمل بسبب نقص الوقود. كما تتحصل إدارة المعبر على مبالغ مالية من المحلات التجارية مقابل تزويدها بالكهرباء، وهو ما يعتبره أصحاب المحلات تكلفة باهظة، في حين يتم نقل مياه الشرب من النيل بواسطة شاحنات “تناكر”، ما يزيد من الأعباء التشغيلية على العاملين.
مخاطر ميدانية
المنطقة المحيطة بالمعبر تعاني أيضاً من تكدس عشوائي للمحلات التجارية، ما يعيق حركة المرور ويتسبب في تكرار حوادث الحرائق التي لا تتمكن سيارات الإطفاء من السيطرة عليها بسبب ضيق الطرق المؤدية إلى الموقع. هذه الظروف الميدانية تعكس هشاشة الوضع في المعبر وتزيد من تعقيد الأزمة، في وقت تتصاعد فيه المطالب بإعادة النظر في القرار وتوفير حلول عادلة تحفظ حقوق العاملين وتضمن استقرار النشاط التجاري في المنطقة الحدودية.
راديو دبنقا











