الأخبار

حصار المقرن ـ 36 رجلاً في مواجهة الجحيم

إعداد _ منصة القدرات العسكرية/ عزة برس

لم تكن المعركة تنتهي بإنطفاء طلقات الليل الأولى بل كانت تُفتح صفحة جديدة من إمتحان الصبر والإرادة بعد أن بدت الأمور وكأنها تحت السيطرة تبيّن سريعًا أن العدو قد جمع سرية مشاة داخل منتزه المقرن العائلي ونجح في تحريكها لتقاطع طريق متحرك المهمة الخاصة عند كبري السلاح الطبي ظنّت المليشيا أن مدخل الكبري مكشوف وآمن وأن الجيش يكاد لا يملك غير القوة المتواجدة هناك فدفعوا بكل ما يملكون من رجول وآليات إلى المنتزه ظنًا منهم أن السيطرة على المدخل ستقطع الطريق على أي عبور لاحق مايكشف أن العدو لم يكن جاهزاً لمعركة من حيث لايتوقع , فوجء العدو عند مدخل الكبري الذي كان مؤمنًا بثلاثة أتيام من القوات الخاصة تفرقوا كأصابع اليد حول المدخل أطلقوا النيران المكثفة وأجبروا سرية المشاة على الإنسحاب نحو الجهة الشرقية من لمنتزه المقرن العائلي بعد عزل خدمة العدو أمام المنتزه التحم “تيم العزل” مع قوة النقيب الفاضل وتجمّعوا مع وحدات فريق القتال في العمارة الهيكلية ومدخل الكبري بدا أن الموقف يستعيد توازنه حتى جاء ما يخشاه كل رجل ميداني على أرض يتغلغل بها العدو منذ لحظات مابعد الإندلاع “إنقطاع الاتصالات”.

شعر الرجال للحظة كما لو أن الزمن قد إبتلعهم كانوا 36 فرداً وثلاثة ضباط تحت قيادة الرائد جمال الدين النضيف محاصرون في مثلث ضيق من بنايات محترقة بذرائع إمداد مقطوعة وبذخيرة تكاد تنفذ.

في الميدان تأتي اللحظات الحقيقية حين ينقلب حب الوطن إلى أفعال والإرادة لقوة إرتسمت المصائر في عيون الرجال البعض إعتلى مرتفعًا ليُراقب وآخر أمسك بندقيته كمن يتشبث بخيط من نور بينما ساد هدوء داخلي غريب هدوءُ من يعرفون أن القرار الآن ليس سِلمًا من أوامر بل هو خيار قلب وجماعة لم يكن المنطق العسكري يدعُم البقاء ,إنسحاب منظم كان ممكنًا لكن قلوبهم أخضعت المنطق إلى عقيدة أعمق إجتمعت القيادة وأصرت بالإجماع الدفاع عن المقرن حتى لو كانت التضحية هي الثمن لقد قرروا جميعاً البقاء والموت في أماكنهم على أن يفرطوا في الأرض التي رويت بدماء رفاقهم على الأرض التي طرقتها القوات المسلحة السودانية كبداية لهزيمة تاريخية ولأن الموضع وقتها ليس مجرد أرض بل نقطة إرتكاز لمستقبل العمليات القادمة.

حين بدأ الحصار فعليًا لم تكن الصور البطولية وحدها ما بقي في الذاكرة بل التفاصيل الصغيرة التي تكوّن جبلاً من صمود ,الليل كان طويلًا ويومًا بعد يوم تصبح التفاصيل أصغر إلا أن أثرها في القلوب أكبر رائحة الدخان تختلط برائحة المعدن والأنفاس وأصوات الطائرات المسيرة التي تنخر في الأعصاب لكن داخل هذه الخريطة من الألم ولدت لحظات إنسانية تُذكر على الدوام الحصار أن الحصار بدأ بضغوط تكتيكية ثم تحوّل إلى إختبارٍ نفسي طويل منتصف هذا المنحنى الدرامي جاء عندما حاولت قوات العدو قصف الموقع بكثافة ليُرغم المدافعين على الانكفاء داخل الكبري هنا حدث أمران الأول فقدان عدد من الأفراد والثاني التلاقي الحقيقي للقلوب حين رأى الرائد جمال خسارة رفاقه لم ينهزم بل زاد إيمانه بوجوب ثباتهم ,كل ذلك حول الحصار إلى ساحة تضامنٍ إنساني تقاوم الذبح التكتيكي كانوا هناك ليثبتوا أن الأرض المحروسة بالدم لا تُنسى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *