الأخبار

شئ للوطن م.صلاح غريبةيكتب : صرخات منسية على هامش الحياة: اللاجئين والواقع السوداني المرير

Ghariba2013@gmail.com

في العشرين من يونيو من كل عام، يتجدد “اليوم العالمي للاجئين”، مناسبة عالمية تهدف إلى تسليط الضوء على محنة ملايين البشر الذين أجبروا على ترك ديارهم بحثاً عن الأمان. إنه يوم للتذكير بالتضحيات الهائلة التي يقدمونها، وللتأكيد على ضرورة التضامن الإنساني معهم. ولكن، بينما تتغنى الأوساط الدولية بشعارات التضامن، يبقى الواقع قاسياً ومريراً للكثيرين، خاصة للاجئين السودانيين الذين تدفعهم ويلات الحرب إلى دول الجوار، واللاجئين الأجانب الذين يجدون أنفسهم عالقين في دوامة الصراع داخل السودان.
لم تكن السودان بمنأى عن ويلات النزوح واللجوء حتى قبل الحرب الأخيرة. لكن الصراع الدائر منذ أبريل 2023 قد فاقم الأزمة بشكل غير مسبوق. الآلاف، بل الملايين، من السودانيين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها نازحين داخل وطنهم أو لاجئين في دول الجوار. مصر، كجارة تاريخية وشقيقة، استقبلت الجزء الأكبر من هؤلاء اللاجئين. لقد فتح المصريون أبوابهم، تقاسموا بيوتهم وأرزاقهم، لكن حجم الأزمة يفوق قدرة أي دولة منفردة على الاستيعاب.
يعيش اللاجئون السودانيون في مصر واقعاً مركباً. فمن جهة، يجدون ملاذاً آمناً نسبياً من رصاص الحرب وويلاتها. ومن جهة أخرى، يواجهون تحديات جمة تتعلق بالإقامة، فرص العمل، الرعاية الصحية، والتعليم. الكثيرون منهم فقدوا كل ما يملكون، وباتوا يعتمدون على المبررات، أو على جهودهم الشاقة في البحث عن أي عمل يكفل لهم ولأسرهم الحد الأدنى من الكرامة. تتزايد الضغوط على البنية التحتية والموارد في المدن المصرية التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين، مما يتطلب استجابة دولية أكثر فاعلية لدعم الدول المضيفة. إنهم ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات، بل هم أفراد وعائلات لهم قصصهم ومعاناتهم، يحملون في طياتهم أحلاماً مؤجلة وآمالاً معلقة.
على الجانب الآخر من المعادلة، يعيش السودان نفسه واقعاً فريداً حيث تستضيف أراضيه أعداداً كبيرة من اللاجئين من دول مجاورة، مثل إريتريا، إثيوبيا، جنوب السودان، وتشاد، وغيرهم. هؤلاء اللاجئون، الذين فروا من صراعات وظروف صعبة في بلدانهم، وجدوا أنفسهم الآن عالقين في قلب حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
لقد لعب العديد من اللاجئين الأجانب أدواراً مزدوجة في السودان قبل الحرب. فمن جهة، كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي، يساهمون في مختلف القطاعات، ويكسبون عيشهم بشق الأنفس. ومن جهة أخرى، كان وجودهم يمثل تحدياً إضافياً على الموارد الشحيحة في بعض الأحيان. ومع اندلاع الحرب، انقلبت حياتهم رأساً على عقب. فبدلاً من أن يكونوا في مأمن، أصبحوا في خطر مباشر، يواجهون نفس التهديدات التي يواجهها المواطنون السودانيون. بعضهم اضطر للنزوح مرة أخرى، والبعض الآخر يجد نفسه محاصراً في مناطق النزاع، فيما يحاول آخرون البحث عن طريق للعودة إلى بلدانهم الأصلية، أو للوصول إلى بلد ثالث، وبعضهم تعاون مع مليشيات الدعم السريع بصورة واضحة وسمجة.
إن قصة هؤلاء اللاجئين الأجانب في السودان تسلط الضوء على هشاشة وضع اللاجئين بشكل عام. فهم ليسوا مجرد ضحايا للظروف في بلادهم الأصلية، بل هم أيضاً عرضة لتقلبات الأوضاع في البلدان التي يلجئون إليها. وهذا يتطلب من المجتمع الدولي مقاربة شاملة لا تقتصر على تقديم المساعدة الإنسانية فحسب، بل تمتد لتشمل حماية حقوقهم، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، والعمل على حلول دائمة لأوضاعهم.
في اليوم العالمي للاجئين، يجب ألا نكتفي بكلمات التعاطف الجوفاء. إنها فرصة للتحرك. نداء إلى الحكومات لتوفير الدعم اللازم للدول المضيفة، وتقديم حلول مستدامة للاجئين. نداء إلى المنظمات الدولية لتعزيز جهود الإغاثة والحماية. ونداء إلى أفراد المجتمع لتقديم يد العون للمحتاجين، والتعبير عن تضامنهم مع هؤلاء البشر الذين أُجبروا على ترك كل ما يملكون.
إن كرامة الإنسان لا تتجزأ، وحقوق اللاجئين هي حقوق إنسانية لا يمكن المساومة عليها. إنهم ليسوا عبئاً، بل هم شهود على حجم المآسي التي يمر بها عالمنا، وتذكير دائم بأن السلام والأمن هما الأساس الذي تبنى عليه الحياة الكريمة للجميع. فلنعمل معاً لضمان أن تتحول صرخاتهم المنسية إلى أصوات مسموعة، وأن يجدوا طريقهم نحو مستقبل أكثر أملاً وكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *