
*”بعض الكيانات السياسية التي استمرأت الاستهبال والتطفيف باسم الحياد, سوف تُصلب على حواف السطور الأخيرة من الرواية الوطنية لهذه الحرب”.. الكاتبة!*
منطقة العزازي كانت شاهدة على دمٍ مسفوك، وبيانٍ مسفوكٍ مثله في البلاغة والتوقيت والغيرة السياسية، وحين سال دمٌ آخر في بارا، تحت ذات اللافتة الحزبية، بدا وكأن الحزب الذي أصدر البيان الأول قد نسي لغته المصادمة أو استبدلها لدواعي حساسية الموقف..!
هذا ليس مقالًا عن السياسة، بل عن الأخلاق حين تتورّط في العمل السياسي. عن العدل كقيمة لا تحتمل التأويل، وعن الحياد حين يصبح خيانة مقنّعة باسم الحكمة. ما الفرق بين الحياد والعدل؟. الحياد قد يكون موقفاً رمادياً يزعم النزاهة، بينما العدل هو ميزان نزيه، لا يهتز لجهة قربى، ولا يرتجف من جهة خصومة..!
لكن السياسة السودانية، بميلها الأصيل إلى الاستهبال، أعادت تعريف كل شيء فصار الحياد يعني “عدم إزعاج الحليف”، وصار العدل “مسألة نظرية نُؤمن بها في منشوراتنا”. أحدهم يُقتل، فنكتب بياناً مملوءاً بالاستنكار والتضامن، وآخر يُقتل، فنكتفي ببيان يتحدث عن مجموعة مسلحين..!
في بلادٍ مثقلة بالتناحر، يصبح التمييز في الرثاء صورة من صور الاستهبال السياسي، ولا شيء أخطر من الاستهبال المضمن في بيانات رسمية. ليس مطلوباً من قيادات الأحزاب السودانية أن يكونوا ملائكة، لكن أن يبلغ الخوف من تلك المليشيا بقيادة كيان سياسي مبلغ ان لا تكون عادلة في تدبيج بيانات الرثاء في مناسبات موت بعض أعضائها فذاك هو العيب على أصوله وكما قال الكتاب..!
نحن في زمن يُكافأ فيه الحياد الذكي، الذي لا يُغضب أحداً ولا ينفع أحداً، والذي يصلح أن يُعلَّق على الجدران مثل شهادات التقدير القديمة، لكن الانتقائية في ممارسة الحياد نفسه تجعل منه شراكة في الظلم حيث يكون “السكوت هو أعلى مراتب الفهلوة”..!
العدالة الأخلاقية لا تُقاس بقوة التصريحات، بل بالثبات على المواقف. أن ترفض القتل هنا وهناك، بنفس اللغة، بنفس الحزن، بنفس الغضب، بنفس الوضوح في نقمتك على القاتل وفي حرصك على حق المقتول..!
أكثر ما يُزعج في هذا المشهد ليس التطفيف في صياغة البيانات وتوجيه الاتهامات فحسب، بل الخلل في توجيه البوصلة. حين يفقد حزب سياسي خارطة طريقه الأخلاقية، وهو يتخلق بأخلاق مليشيا!.
munaabuzaid2@gmail.com