المقالات

شيء للوطن.. م.صلاح غريبة يكتب : ضربة معلم في صحراء دارفور: الجيش السوداني يقلب الطاولة على الد.عم السريع

Ghariba2013@gmail.com

شكلت سيطرة القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة على منطقة واحة العطرون الاستراتيجية في صحراء شمال دارفور ضربة موجعة ومفاجئة لمليشيا الدعم السريع، مثلت تحولًا نوعيًا في مسار الصراع الدائر في الإقليم. هذا التحرك المباغت، الذي وصفه حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بالدقيق والمنسق، لم يقتصر على استعادة منطقة ذات أهمية جغرافية فحسب، بل حمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة تنذر بتغيير موازين القوى في الإقليم المضطرب.
تكمن أهمية واحة العطرون في موقعها الحيوي الرابط بين ولاية شمال دارفور والولاية الشمالية، فضلًا عن كونها نقطة عبور استراتيجية نحو المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر. فبسط السيطرة على هذه الواحة يعني عمليًا قطع شريان حيوي لإمدادات الدعم السريع القادمة من جهة ليبيا عبر محور الصحراء، وهو ما أكده المراقبون الذين رأوا في هذه العملية “صيد عصفورين بحجر واحد”. فبينما عززت القوات المسلحة من أمن الولاية الشمالية وحيدت خطرًا مباشرًا كان يهددها، وجهت في الوقت ذاته ضربة قاصمة لقدرة الدعم السريع على التمويل والتسليح من الخارج.
لم تكن خسارة العطرون مجرد خسارة لموقع جغرافي ذي قيمة، بل كانت أيضًا خسارة فادحة في الأرواح والعتاد، كما أشار إلى ذلك مني مناوي. فالصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت عقب العملية، والتي تظهر استيلاء القوات المشتركة على أسلحة ثقيلة وذخائر وسيارات قتالية تركتها المليشيا خلفها، تعكس حجم الخسائر التي تكبدتها. هذه الخسائر من شأنها أن تضعف قدرة الدعم السريع على المناورة والتحرك في شمال دارفور، خاصة بعد أن باتت محاصرة في “صندوق كبير مغلق” بفقدانها أهم منافذها الصحراوية.
تأتي هذه العملية في سياق خطة أوسع للجيش السوداني تهدف إلى تضييق الخناق على مليشيا الدعم السريع في شمال دارفور. فبعد تأمين محور الصحراء، يتوقع المراقبون أن تتجه الأنظار نحو استعادة منطقة المالحة ومن ثم التقدم نحو مليط والفاشر. هذه الخطة المرنة التي تعتمد على مفاجأة العدو وتحريك القوات على محاور مختلفة، تهدف إلى إرباك المليشيا ومنعها من الاستفادة من تكتيك “الفزع” الذي اعتادت عليه.
يثير التقدم السريع للجيش في هذا المحور تساؤلات حول ردة فعل الدعم السريع. فبينما يتوقع البعض أن تقوم المليشيا بسحب قواتها من محاور أخرى للتحشيد في المالحة ومحاولة استعادة العطرون، يرى آخرون أن هذه قد تكون مجرد خطة من الجيش لاستدراجها وفتح جبهات جديدة. وفي هذا السياق، يصبح تحرك الجيش غير المتوقع عنصرًا أساسيًا في إضعاف المليشيا وقيادتها نحو الانهيار، كما حدث في ولايات الوسط.
في الختام، يمكن القول إن سيطرة القوات المسلحة على واحة العطرون تمثل نقطة تحول مهمة في الصراع الدائر في دارفور. هذه الضربة الاستراتيجية لم تؤمن خاصرة الولاية الشمالية فحسب، بل قطعت أيضًا طريق إمداد حيوي للدعم السريع، ووضعتها في موقف دفاعي حرج. ومع استمرار الجيش في تنفيذ خطته المرنة والمفاجئة، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية تفاعل المليشيا مع هذه التطورات وما إذا كانت ستنجح في استعادة زمام المبادرة أم ستنزلق نحو مزيد من الخسائر والانحسار في معاقلها بشمال دارفور. إن الأيام القادمة ستحمل في طياتها إجابات حاسمة حول مستقبل الصراع في هذا الإقليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *