المقالات

شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب: الاقتصاد الأخضر في السودان: فرصة للنهوض بعد الحرب

Ghariba2013@gmail.com

يشكل المؤتمر التنموي المصاحب للقمة العربية في بغداد منصة بالغة الأهمية لمناقشة التحديات والفرص الاقتصادية في منطقتنا. ومن بين الملفات الحيوية المطروحة للنقاش اليوم، يبرز ملف “الاقتصاد الأخضر” كونه ليس مجرد خيار بيئي، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية ملحة، خاصة بالنسبة لدول مثل السودان التي عانت ويلات الحرب وتواجه تحديات جمة في مسيرة التعافي.
إن الحديث عن الاقتصاد الأخضر في سياق السودان ما بعد الحرب قد يبدو للوهلة الأولى ضربًا من الرفاهية أو ترفًا لا تحتمله الظروف الراهنة. الدولة التي أنهكتها الصراعات الداخلية تواجه أولويات ملحة تتعلق بإعادة الإعمار، وتوفير الغذاء والدواء، واستعادة الأمن والاستقرار. ومع ذلك، فإن تجاهل البعد البيئي في جهود التعافي لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلات على المدى الطويل، بل إن تبني مبادئ الاقتصاد الأخضر يمكن أن يكون مفتاحًا لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
يمتلك السودان مقومات طبيعية هائلة يمكن أن تشكل أساسًا قويًا لاقتصاد أخضر واعد. فالأراضي الزراعية الشاسعة، وموارد المياه المتجددة، والإمكانات الكبيرة للطاقة الشمسية والرياح، كلها عناصر يمكن استثمارها بشكل مستدام لخلق فرص عمل جديدة، وتحقيق الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل القومي.
ولكن، كيف يمكن للسودان أن يستنهض هذا الاقتصاد الأخضر في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها؟ الإجابة تكمن في تبني استراتيجية متكاملة تتضمن عدة محاور رئيسية:
أولًا: إعادة بناء البنية التحتية الخضراء: بدلًا من مجرد ترميم البنية التحتية المتضررة، يجب التفكير في بنائها وفقًا لمعايير الاستدامة. يشمل ذلك الاستثمار في شبكات طاقة متجددة، وأنظمة نقل عام صديقة للبيئة، وتقنيات زراعية حديثة تقلل من استهلاك المياه والموارد الطبيعية.
ثانيًا: دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء: يمكن للحكومة والمنظمات الدولية تقديم الدعم المالي والفني للمبادرات المحلية التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة. يشمل ذلك دعم المزارعين على تبني الزراعة العضوية والمستدامة، وتشجيع الصناعات الحرفية التي تستخدم مواد خام محلية ومستدامة، وتمويل الشركات الناشئة في مجال الطاقة المتجددة وإدارة النفايات.
ثالثًا: تعزيز الاستثمار الأخضر: يجب على السودان أن يسعى لجذب الاستثمارات التي تتبنى معايير بيئية واجتماعية وحوكمة رشيدة. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير حوافز ضريبية وتسهيلات إجرائية للمستثمرين في القطاعات الخضراء، مثل الطاقة المتجددة، وإعادة تدوير النفايات، والسياحة البيئية المستدامة.
رابعًا: بناء القدرات والوعي: لا يمكن تحقيق تحول حقيقي نحو الاقتصاد الأخضر دون الاستثمار في بناء قدرات الكوادر الوطنية ورفع مستوى الوعي بأهمية الاستدامة البيئية. يشمل ذلك إدراج مفاهيم الاقتصاد الأخضر في المناهج التعليمية، وتنظيم حملات توعية عامة، وتدريب المهنيين في المجالات ذات الصلة.
خامسًا: التعاون الإقليمي والدولي: يمكن للسودان أن يستفيد من الخبرات والموارد المتاحة على الصعيدين الإقليمي والدولي في مجال الاقتصاد الأخضر. يمكن للمشاركة الفعالة في مبادرات مثل تلك التي يناقشها المؤتمر التنموي في بغداد أن تفتح آفاقًا جديدة للتعاون وتبادل المعرفة والتكنولوجيا.
إن استنهاض الاقتصاد الأخضر في السودان ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو ضرورة استراتيجية لتحقيق تعافٍ مستدام وشامل بعد الحرب. يتطلب ذلك رؤية واضحة، وإرادة سياسية قوية، وشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمجتمع الدولي. إن الفرصة سانحة الآن لتحويل التحديات إلى فرص، وبناء مستقبل أكثر اخضرارًا وازدهارًا للسودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *