
إرتبط اسم مليشيا الدعم السريع مُنذ نشأتها بسرقة وتهريب المعادن النفيسة من مناطق إستخراجها إلى خارج السودان وبالتحديد إلى دويلة الإمارات ؛ فهى إعتمدت على عائدات التهريب لبناء ثروة مالية كبيرة ومليشيا ذات قوة وعتاد ضخم يشبه قوة عتاد الجيوش النظامية ، وبين كل هذه المعادن كان لمعدن النحاس السهم المُعلى في هذه الثروة حيث تعود قصتها مع النحاس المُهرب إلى العام ٢٠١٧م مُنذ بداية سيطرتها على بعض مناجمه في ولاية النيل الأزرق، ثم توسع نفوذها ليشمل المناجم الموجودة في ولايات جنوب، غرب وشمال دارفور في الفترة من ٢٠١٨م_٢٠٢٠م، واستمرت في هذا التوسع حتى وضعت يدها على معظم تلك المناجم التي يقدر عددها بأكثر من عشرة مناجم اشهرهم منجم حُفرة النحاس في ولاية جنوب دارفور ، وأظهرت عمليات تهريب النحاس بواسطة المليشيا فقداناً كبيراً في الإيرادات الحكومية لهذا المعدن منذ العام ٢٠١٧م إلى العام ٢٠٢٢م .
في ذات الوقت كانت إرتباطات المليشيا بمافيا النحاس العالمية مُنذ ذلك الوقت تزداد يوماً بعد يوم حتى تبلورت العلاقات مع أكبر شركات تجارة النحاس غير المشروعة والتي تتحكم في أكثر من ٥٠% من إنتاج النحاس العالمي بالإضافة لتحكمها في إمداداته وتحديد أسعاره في السوق السوداء .
شملت هذه المافيا شركات تعدين النحاس، شركات تكرير النحاس وشركات تداول النحاس ومن أبرزها شركة “غلينكور” السويسرية وشركة “ريو تينتو” البريطانية الأسترالية ، وبالطبع فإن هذه الشركات العالمية تتعامل مع الوسيط الإماراتي الذي يشرف على تهريب هذه المعادن عبر شركات كبرى كشركة الإمارات للإستثمار وشركة دبي للإستثمار من خلال إستيراده إلى الإمارات دون دفع ضرائب أو رسوم من السودان ومن دول أفريقية أخرى كجمهورية الكونغو الديمقراطية ،زيمبابوي ،موزمبيق وغيرهم .
استمرت دويلة الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع على هذا المنوال حتى قيام الحرب حيث توسّع نُفوذها في العام ٢٠٢٣م بصورة كبيرة من خلال الأرباح المالية التي تجنيها من هذه التجارة والتي كانت أحياناً أعلى بكثير من أرباح المعادن الأخرى بما فيها الذهب والفضة ،
وعقب سيطرة المليشيا على بعض مدن ومناطق الخرطوم والجزيرة إنتهجت نهجاً متماشياً مع خلفية أعمالها غير المشروعة فبدأت في تقنين سرقة النحاس من كابلات الكهرباء والهواتف عبر أتيام متخصصة عملت على مسح شامل لمواقع تواجد النحاس في مناطق سيطرتها ،ثم بدأت عمليات قطع الكيبلات الكهربائية وسرقة أسلاك النحاس منها بإستخدام أدوات متخصصة مثل القصائح ،المناشير وأجهزة تكنولوجية حديثة مكنتها من الكشف عن أسلاك النحاس داخل الكيبلات ، بعد ذلك قامت المليشيا بنقل هذا الكم الهائل من أطنان النحاس إلى مناطق تخزينه في بعض مدن دارفور ومن ثم تهربيه تحت إشراف رجال أعمال إماراتيين أمثال رجل الأعمال الإماراتي عبد الله بن بطي آل هميل هو رجل أعمال يتعامل مع المليشيا خاصة في إستخراج معدن النحاس ، بعد ذلك يتم بيعه إلى تجار ومصانع يتبعون لشركة غلينكور السويسرية والتي تعتبر من أكبر الشركات المُتهمة بتجارة النحاس غير المشروعة في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
بعد تدهور الأوضاع الأمنية في السودان بسبب الحرب أصبحت قضية نقل هذه المعادن إلى الإمارات تمثل عقبة كبيرة أمام مافيا النحاس لذلك فكرت الشركات الإماراتية في تبني خطة لضمان إنسياب إمدادها من هذه المعادن النفيسة فقامت ببناء المستشفيات في مناطق قريبة من الحدود السودانية كمستشفي أم جرس ومستشفى ابشي الحدوديان حيث يعتبران مركزا نقل وتهريب من الولايات الغربية ومستشفى مادهول الميداني في ولاية شمال بحر الغزال في جنوب السودان الذي تم افتتاحه مؤخراً والذي سيكون مركز نقل وتهريب من النيل الأزرق وجنوب كردفان وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الخط يشرف على حمايته مرتزقة AM23 الجنوب سودانية المدعومة من الإمارات وسوف يتم تشبيكه مع مرتزقة الحركة الشعبية بعد توطيد علاقة الإمارات مع المتمرد عبد العزيز الحلو والمليشيا المتمردة بمافيا المعادن في كينيا مؤخرا تحت غطاء التوقيع السياسي على ميثاق الدولة الجديدة.
كل تلك الحقائق حول نهب معدن النحاس من البني التحتية لمدن السودان تكشفت بعد تحرير مدن ومناطق كانت تسيطر عليها المليشيا في ولايتى الخرطوم والجزيرة حيث أظهرت عمليات المراجعة والمعالجة مدي حجم وضخامة هذه السرقات المقننة التي تعكس بجلاء هذه العلاقات المتجذرة للمليشيا بمافيا النحاس والمعادن الأخرى كالذهب، الفضة، النيكل،الكوبالت والزنك وغيرها.
هذه المعلومات أيضا تناولتها صحف غربية بصورة مكثفة وسلطت الضوء على كثير من الممارسات التي تسلكها دويلة الإمارات تجاه السودان وشعبه ودورها المؤثر في زيادة رقعة وزمن الحرب ، وأكد عدد من الخبراء أن الإمارات ليست حريصة على إحلال السلام في السودان لأنها تجد في الحرب البيئة الخصبة للقيام بأعمالها غير المشروعة وهي لن تكف عن دعم الميليشيا طالما أن قيادة المليشيا تقدم لها كل موارد ومعادن السودان على طبق من ذهب بجانب تعاونها اللصيق مع شركات ومنظمات أخرى كمافيا السلاح ومافيا المخدرات وغيرها من المنظمات الإجرامية التي تتعامل معها الميليشيا المتمردة .
أخيراً يمكننا القول إن المليشيا المتمردة لم تترك إثماً ولا جرماً إلا وغآصت فيه إلى أخمص أقدامها فعاسّت فساداً مُنقطع النظير في الدولة السودانية لا سيما عندما كانت تملك السلطة قُبيل تمردها المشؤوم ، ولكنّ الله أبى إلا وأن يُطهر السودان من آثامها وإجرامها فتحررت أرض وشعب السودان من دنس منظمات المافيا العالمية ومرتزقتهم ، وقريباً ستعود كافة مناجم النحاس وغيره من المعادن النفيسة إلى حضن الوطن.