المقالات

الدموع التي عبرت عن السودان بقلم: أمل أبوالقاسم

لم يكن المشهد سياسيًا هذه المرة.
حين وصل الرئيس عبد الفتاح البرهان إلى معسكر النازحين الفارين من جحيم الفاشر بالولاية الشمالية، خيّم الصمت إلا من نواح النساء وأنين الأطفال الذين ذاقوا مرارة الفقد والتشريد. وفي لحظة إنسانية نادرة، احتضن الرئيس إحدى السيدات وغلبته الدموع أمام الحشود، كأنما حملت تلك اللحظة كل أوجاع السودان في عينيه.

لم يكن تأسي قائدٍ فقط، بل دموع وطنٍ بأكمله — وطنٍ ينزف منذ سنوات، ويبحث في وجوه أبنائه عن بصيص رجاء. في تلك اللحظة لم يكن البرهان رئيسًا، بل أبًا ومواطنًا وشاهدًا على مأساة شعبه.

وقد درج القائد على زيارة أسر الشهداء كلما سنحت له فرصة، في أي من ولايات البلاد، ليواسيهم ويشاركهم الحزن والفخر في آنٍ.
كما أنه كثيرًا ما يُفاجئ المواطنين في أماكن تجمعاتهم، يُبادلهم التحايا، ويرتشف معهم الشاي أو القهوة ببساطةٍ ودفءٍ نادرين.

وأمس الأول، قام بزيارة مفاجئة لجنوب الخرطوم، فالتفت حول سيارته الجماهير في مشهد مألوف يتكرر أينما حلّ. مشهد يغضب الأعداء وقادة التمرد، لأنه يُعيد التذكير بأن علاقة هذا القائد بشعبه لا تُبنى على المهرجانات والخطابات، بل على القرب الإنساني والصدق الملموس.

إن الدموع التي غالبها البرهان في معسكر النازحين لم تكن ضعفًا، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن وجع وطنٍ يُريد أن ينهض من تحت الركام. حزن رجلٍ يعرف أن مسؤولية القيادة لا تنتهي عند إصدار الأوامر، بل تبدأ من لحظة الانصهار مع آلام الناس.
وفي تلك العَبرة الصامتة، نطق الوطن كله:
ما زال في السودان قلبٌ يخفق بالإنسانية، وما زال في قيادته نبضٌ لا يعرف الجفاء.

هذه الزيارة لم تكن مجرد موقف إنساني، بل رسالة سياسية بليغة في زمن الحرب.
لقد أراد القائد العام من ظهوره بين النازحين أن يقول للعالم: إن السودان ما زال حيًّا، وإن دولته باقية وسط كل الدمار. فالمؤسسات لم تنهَر، والقيادة لم تنعزل، والشعب ما زال يرى في جيشه وقيادته حصنًا يحمي الكرامة والوجود.

كما تحمل الزيارة رسالة وحدة داخلية، في وجه دعاة التفرقة ومروّجي الكراهية، مفادها أن الحرب مهما اشتدت فلن تفرق بين أبناء الوطن الواحد. إنها دعوة للتماسك، لا تُقال بالكلمات، بل تُترجم بالعناق والدموع والمشاركة الصادقة في الألم.

في زمنٍ يُقاس فيه الزعماء بما يملكون، جاء البرهان ليُقاس بما يشعر، وبما يفيض من إنسانيته تجاه من ضحوا وهاجروا وتشردوا.
تلك العبرة، في حقيقتها، كانت وثيقة وطنية — تُدوّن أن السودان رغم جراحه، لا يزال قادرًا على التضامن والألفة… وعلى النهوض. وحتى على الفرح الذي سيعم البلاد طال الزمن أم قصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *