
في عام 1956، أعلن السودان استقلاله عن بريطانيا ومصر، دولةٍ وُلدت بعد كفاحٍ طويل ضد الاستعمار.
لكن منذ اللحظة الأولى، وُلد الوطن وفي داخله انقسام خفيّ بين الشمال العربي المسلم والجنوب الإفريقي المسيحي والوثني.
كان الشمال أكثر تعليمًا وتطورًا، بينما الجنوب كان مهمّشًا، فقيرًا، يعاني من الإقصاء السياسي والثقافي.
هكذا بدأ السودان رحلته وهو يحمل في أحشائه بذرة الحرب.
نار في الجنوب (1955 – 1972)
أضاف اللواء فوزي أنه قبل حتى أن يُعلن الاستقلال، بدأت التمردات الجنوبية ضد سيطرة الشمال.
استمرت الحرب 17 عامًا، حصدت مئات الآلاف من الأرواح.
وفي عام 1972، جاء الرئيس جعفر النميري ليوقّع اتفاقية أديس أبابا التي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا، فعمّ السلام لوقتٍ قصير.
الشريعة والدم (1983 – 2005)
ويؤكد الخبير المصري أنه في عام 1983، أعلن النميري تطبيق الشريعة الإسلامية على كامل البلاد، بما في ذلك الجنوب غير المسلم، فاشتعلت الحرب من جديد بقيادة جون قرنق والحركة الشعبية لتحرير السودان.
كانت الحرب الثانية أعنف من الأولى: قُتل أكثر من مليوني إنسان، وشُرّد الملايين.
وفي تلك الفترة تتابعت الحكومات والانقلابات:
سوار الذهب (1985)
حكومة الصادق المهدي
ثم انقلاب عمر البشير (1989) الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لعقود.
اتفاق السلام الكبير (2005)
وأوضح فوزي أنه بعد سنوات من الدم، وبتدخل أمريكي ودولي، وُقّعت اتفاقية السلام الشامل بين البشير وجون قرنق.
الاتفاق منح الجنوب حكمًا ذاتيًا وحقّ تقرير المصير بعد ست سنوات.
لكن فرحة السلام لم تكتمل، فبعد أشهر من توقيع الاتفاق، مات جون قرنق في حادث تحطّم مروحية غامض، لتعود الشكوك والمرارة من جديد.
الانفصال (2011)
واستطرد قائلاً: في يناير 2011، صوّت الجنوبيون بنسبة 99% لصالح الانفصال، وفي 9 يوليو من العام نفسه، وُلدت دولة جنوب السودان رسميًا.
السودان خسر حينها أكثر من 70% من موارده النفطية، لأن معظمها يقع في الجنوب، وبقي الشمال مثقلًا بالأزمات الاقتصادية والسياسية.
دارفور والجنجويد (2003 – 2019)
وأشار اللواء أشرف إلى أنه بينما كان العالم يحتفل بالسلام، اشتعلت دارفور غرب السودان.
القبائل هناك شعرت بالتهميش أيضًا، فرفعت السلاح.
وردّ البشير كان قاسيًا، إذ أطلق ميليشيات الجنجويد بقيادة حميدتي، فارتُكبت مجازر وجرائم تطهير عرقي بشهادة العالم.
تحت ضغط المحكمة الجنائية الدولية، أصبح البشير مطلوبًا بتهمة الإبادة الجماعية، لكنه بقي في الحكم حتى 2019، حين أطاحت به ثورة شعبية ضخمة.
الثورة والخيانة (2019 – 2021)
بعد سقوط البشير، تشكّل المجلس العسكري الانتقالي بقيادة البرهان وحميدتي، وتعاهد الجميع على تسليم السلطة للمدنيين.
لكن بعد فترة وجيزة، وقعت مجزرة القيادة العامة، حيث قُمع المعتصمون السلميون بعنف شديد، وقُتل المئات.
وهكذا ضاعت أحلام الثورة في بحرٍ جديد من الدماء.
الحرب بين الإخوة (2023 – اليوم)
انهار تحالف البرهان وحميدتي، وتحول الخلاف على السلطة إلى حربٍ أهلية مدمّرة اندلعت في أبريل 2023.
تحوّلت الخرطوم إلى ساحة حرب، واشتعلت دارفور مجددًا، وملايين السودانيين نزحوا نحو المجهول.
وخلف هذه الحرب تختبئ مصالح إقليمية ودولية:
الإمارات تموّل حميدتي.
السعودية تدعم البرهان.
فاغنر الروسية تبحث عن ذهب دارفور.
إثيوبيا تراقب من بعيد، تنتظر ما ستكسبه من تفكك السودان.
وطن يتأرجح بين الحياة والموت
واختتم اللواء فوزي قائلاً:
اليوم، يعيش السودان واحدة من أشد الكوارث الإنسانية في العالم. مدن مدمّرة، مجاعة ومرض، وشعب أنهكته الحروب منذ ولادة بلاده.
السودان الذي كان يُسمى “سلة غذاء إفريقيا”، أصبح وطنًا يبحث عن رغيفٍ وأمانٍ ومعنى للبقاء.
ومع ذلك، لا تزال فيه قوة الحياة، لأن الشعوب لا تموت، حتى وإن اختنقت بالدم.
“اللهم عجّل بالفرج القريب، وليعم الأمن والاستقرار والسلام على كامل تراب السودان الشقيق وجميع البلدان العربية والإسلامية.”









