
كنا نأمل أن تُغيّر الحكومة من نظرتها التقليدية تجاه قطاع الطيران، وتُولي هذا القطاع الحيوي ما يستحقه من اهتمام وتخطيط. لكن، للأسف، جاءت خطة رئيس الوزراء كسابقاتها، خالية تماماً من أي ملامح تغيير حقيقي أو توجه استراتيجي يعكس إدراكاً لأهمية الطيران في التنمية والنمو الاقتصادي.
لابد من منح القطاع الاستقلال المؤسسي الذي يستحقه بدل التبعية لوزارة الدفاع، وإعادة هيكلته في شكل وزارة قائمة بذاتها تنهض بمهامها التنظيمية والتطويرية، لأن التعامل معه كملف هامشي توجه لا يخدم مصالح الدولة ولا يواكب التطورات العالمية التي تجعل من الطيران المدني رافعة تنموية واقتصادية في غاية الأهمية.
كنا نأمل في أن تُنشأ وزارة أو مفوضية مستقلة تُعنى بقطاع الطيران، وتتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية والتنظيمية والفنية التي تمكنها من النهوض الحقيقي بهذا القطاع بعيداً عن الوصاية والذهنية الأبوية التي أضاعت فرصاً ثمينة للتطور والتحديث على مدى سنوات طويلة. فالاستقلال المؤسسي ليس رفاهية إدارية، بل ضرورة حتمية لتأسيس بنية احترافية تُدار بالكفاءة، وتُخضع الأداء للمساءلة والمهنية، لا للولاء والرضا السلطوي.
يُعد قطاع الطيران أحد الروافد الاقتصادية الرئيسية لأي دولة، فهو ليس مجرد وسيلة نقل، بل محرك للتنمية، وجسر للتواصل الإقليمي والدولي، ومصدر مهم للعملات الصعبة وفرص التشغيل. ومن هذا المنطلق، فإن إهماله أو إبقائه في الهامش يُعد تجاهلًا لمصدر حيوي من مصادر الدخل القومي. إن التعامل الجاد مع هذا القطاع يتطلب إرادة سياسية واضحة، وهيكلًا مؤسسياً مستقلاً، واستراتيجية تنموية تُعلي من شأن الطيران كأداة سيادية واقتصادية لا غنى عنها.
لقد عانى قطاع الطيران في السودان ما عانى من إهمالٍ مزمن وتبعية غير مبررة ، وكأنما كُتب عليه أن يُدار بعقلية الطوارئ لا برؤية التنمية. هذا الإهمال حرم القطاع من فرص التطوير المؤسسي، والاستثمار، والتأهيل، لذا فإن أي إصلاح حقيقي لا بد أن يبدأ بتحرير الطيران من هذه التبعية، ومنحه وضعاً مؤسسياً مستقلاً يعكس مكانته كقطاع استراتيجي فاعل في الاقتصاد الوطني.
وعلى السيد رئيس الوزراء أن يتحمل مسؤولياته الوطنية، ويُقدم على إصلاح هذا الاعوجاج التاريخي، باستعدال الأفق ووضع القطاع في مساره الصحيح. فمسيرة الطيران في السودان لا تحتمل مزيداً من التهميش أو الارتجال، بل تحتاج إلى انطلاقة جديدة تبدأ من استقلال مؤسسي حقيقي، ورؤية تنموية واضحة، تعيد لهذا القطاع اعتباره.