المقالات

هناك فرق – الساعات الأخيرة قبل موتي..!.. منى أبوزيد

*”الأوغاد يشكلون أمتع جزء في الحكايات”.. إيزابيل الليندي..!

إلى أليخاندرا غونزاليس..

أيتها الوغدة التي أمسكت بتلابيبي منذ أن صافحتني لأول مرة بأقبح يدين نحيلتين رأيتهما في حياتي. لا أخفيك أن تواضع جمالك قد خذل كل توقعاتي، ولا أذيعك سراً إذا حدثتك عن امتعاضي وأنت تتثاءبين في وجهي مثل أفراس النهر كل صباح..!

لكن ذلك الهدير الذي يرتفع منسوبه في صدري إلى حافة الانفعال كلما تاملت تلاطم أمواج الكاريبي في زرقة عينيك، وتلك الراحة التي تغمرني وأنا أتتبع مراحل تكون ضحكتك البلهاء، وبعض نقاط الالتقاء المؤسفة بين طيبة أمي وسذاجتك – كل هذه الموبقات الوجدانية – أوقعتني في غرامك البائس المشئوم، ثم ها نحن أولاء..!

أيتها الحمقاء الثرثارة ربما تكون هذه آخر كلمات أرسلها إليك. لا أعرف كيف يمكن للمرء أن يشرح كل ما حدث له من أهوال وهو على حافة الموت، لكنني سأحاول. بدأت حكاية مقتلي بشكل غريب كما تبدأ كل الحكايات التي لا نرغب في سماعها ..!

الأقدار التي تقودنا إلى معارك لا نختارها قادتني إلى ليبيا قبل بضعة أسابيع بعد وصول أول دفعة من المرتزقة القادمين من كولومبيا الذين اختاروا بيع أرواحهم مثلي. كنا نعتقد أن مهمتنا ستكون حماية بعض المنشآت البعيدة عن المعارك – هكذا أخبرونا في شركة الخدمات تلك – ولكن حين وصلنا إلى دارفور التي تقع في غرب السودان تغير كل شيء..!

خضنا معارك ضارية لا نهاية لها، وأصبحنا أدوات في أيدي خفية تدير صراعاً أكبر منا، كنا نقاتل في صفوف مليشيا الدعم السريع ونحن نعلم أن استسلامنا للموت الذي ظل يلاحقنا مسألة وقت لا أكثر..!

كنت أظن أنني سأعود إليكِ، ولكن كيف لي أن أخرج من قلب هذا الجحيم؟. الآن أشتم رائحة الموت لكنني أستطيع أن أرى حياتي معك بوضوح أكبر. لا أعرف كيف يمكن لمثل ذلك الجسد النحيل أن يكون محط اهتمامي،لكنني أحببتكِ على كل حال، ورغم كل شيء..!

قوات الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه تواصل شن هجماتها القوية المتواصلة على مواقعنا، والقتال يشتد أكثر مما توقعنا. إننا نتساقط الواحد تلو الآخر. وبعد أن قتل العديد من رفاقي، وبعد أن أدركت أنني سأغادر هذا العالم، كنت أنتِ آخر ما يشغل تفكيري..!

أليخاندرا، أعترف لك اليوم أنني خشيت دوماً أن يكون لنا أطفال يشقون بعد موتي في عالم لا يرحم. هل تعلمين أن فكرة الموت في هذا المكان قد أصبحت أكثر اقتراباً من فكرة العودة إليك..؟

أنا الآن في مكان آخر، حيث الهدوء الذي يسيطر على كل شيء،وحيث الحرية والسرعة والسعة في الانتقال بين مختلف الأزمنة والأمكنة والأحداث والمواقف..!

بعد أن قتلتُ على يد أحد جنود القوات المشتركة، صار بإمكاني أن أراقب هاتفي بين أيديهم، أن أسمع نغمات اتصالاتك، أن أنصت إلى حماقاتك التي تتفوهين بها وأنت تسألينهم عني، أن أشعر ببكائك وأنا أراهم يضحكون..!

هذه إحدى محن الحياة يا أليخاندرا، أن أنهض ببعض حياتي فوق جثث الآخرين، وأن أبثك أشواقي بين أشلاء أحدهم. وأن يقهقه من قتلني بجوار جثتي. إنه عالم الجنون والفوضى، لا شيء فيه يبقى، ولا شيء يستحق..!

المخلص

فرناندو إسبينوزا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *