تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان التي جاءت أمس كرد على حديث الشيخ عبد الحي يوسف تثير تساؤلات جوهرية حول مستوى الخطاب السياسي في السودان، خاصة في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد ،في مواجهة انتقادات الشيخ عبد الحي، الذي وصف البرهان بالكذب واتهمه بالتواطؤ مع مليشيات الدعم السريع في سيطرتها على المواقع الاستراتيجية بالعاصمة،اختار البرهان الرد بأسلوب مباشر وشخصي، مستخدماً عبارات مثل “اقعد في حتتك الساقطة” و”كل إناء بما فيه ينضح”، وهي كلمات تفتقر إلى وقار الخطاب الذي يجب أن يصدر عن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش
التصريحات الصادرة عن عبد الحي يوسف، رغم حدتها، يمكن اعتبارها جزءاً من حرية النقد الموجهة ضد أي مسؤول عام، خاصة في ظل أوضاع سياسية وأمنية معقدة يعيشها السودان، كان من الممكن للبرهان أن يتعامل مع هذه الانتقادات بطرق أكثر حكمة واتزاناً، تعكس الوعي بمكانته والمسؤولية التي يحملها في هذا التوقيت الحرج، لكن اختياره الدخول في مهاترات شخصية يعكس ضعفاً في الإدارة السياسية للأزمة ويضعه في موضع لا يليق بموقعه
السودان اليوم يعيش وضعاً كارثياً مع استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية، مما يجعل الشعب السوداني في حاجة إلى قيادات واعية تعمل على توحيد الجهود لمواجهة الخطر الأكبر، لكن حين يُختزل خطاب رئيس الدولة في ردود انفعالية على انتقادات فردية، فإنه يبعث برسالة خاطئة حول أولويات القيادة
ردود البرهان بدت وكأنها جزء من صراع شخصي أكثر منها ردود صادرة عن قائد دولة يدير أزمة وطنية كبرى، هذا النوع من الردود ليس فقط غير مناسب، بل يضعف صورة القيادة أمام الشعب السوداني ويشجع المزيد من الانقسامات، الشعب كان يتوقع من البرهان أن يتجاهل مثل هذه التصريحات أو يرد عليها بطريقة مؤسسية، عبر بيانات رسمية مدروسة تصدر عن الجهات الإعلامية، بدلاً من خوض مواجهة مباشرة تُظهره في موقف ضعف
إصرار البرهان على النزول إلى هذا المستوى من الجدال اللفظي يُظهر عجزاً عن التعامل مع النقد بروح القائد المسؤول، القيادة لا تُقاس بالقدرة على الرد على الخصوم بعبارات قاسية، بل تُقاس بمدى الحكمة في التعامل مع الأزمات والقدرة على التركيز على القضايا الجوهرية التي تهم الشعب ،كان يكفي أن يترك الردود لشخصيات قادرة على تقديم تفنيد هادئ ومنطقي لتصريحات عبد الحي، بدلاً من تشتيت الانتباه عن المعركة الحقيقية التي يخوضها السودان ضد مليشيات الدعم السريع
تصريحات البرهان بالأمس لم تكن فقط انفعالية، بل أيضاً غير محسوبة العواقب، ففي وقت يحتاج فيه السودان إلى وحدة الصفوف، جاءت هذه الكلمات لتُظهر الانقسام بين القيادة والنخب الدينية التي لا تزال تحظى بقاعدة شعبية واسعة، هذا النوع من الصدامات يضر بمصداقية الدولة ويُضعف قدرة مؤسساتها على التعامل مع التحديات الأمنية والسياسية
كان يجب على البرهان أن يدرك أن الردود المباشرة على الانتقادات قد تُعطيها وزناً أكبر مما تستحق، وكان عليه أن يُظهر انشغاله بالقضايا الكبرى التي تُواجه السودان بدلاً من الخوض في سجالات قد تبدو صغيرة أمام حجم المأساة الوطنية، السودان في حاجة إلى خطاب جامع وقائد متزن، قادر على استيعاب النقد والتعامل معه بأسلوب يليق بمقامه، خاصة في هذه المرحلة الحرجة
القيادة مطالبة بالتركيز على المهام الكبرى التي تتطلب تعاوناً وطنياً وجهوداً حقيقية لإنقاذ البلاد من التدهور، الردود الشعبوية والانفعالية لا تخدم هذه الغاية، بل تُعمق الشرخ الموجود وتُضعف ثقة الشعب في قيادته، البرهان بحاجة إلى مراجعة نهجه في الخطاب، لأن السودان لا يحتمل المزيد من الانقسامات، بل يحتاج إلى قيادة تملك الحكمة والقدرة على العبور به إلى بر الأمان