المقالات

هناك فرق – منى أبو زيد تكتب : في تلك الأثناء..!

*”الحياة شيء جَدَّي أكثر مما يتصور الناس، ومن يريد أن يحيا عليه أن يكون شجاعاً” .. عبد الرحمن منيف ..!*

عندما كنت أعمل بمركز دراسات الهجرة في جهاز المغتربين سافرتُ إلى العراق في العام ٢٠١٤م، لحضور مؤتمر علمي بجامعة “واسط”..!

في تلك الأيام كانت العاصمة العراقية “بغداد” تشهد حوادث تفجيرات يومية متتالية – بمعدل انفجارين في اليوم الواحد – ومع ذلك شهد ذلك المؤتمر حضوراً عالمياً، وما زلت أذكر التنظيم الذي صاحب برامجه والهدوء الذي أحاط بفعالياته..!

وما زلت أذكر أيضاً مظاهر الحياة الزاخرة في مدينة “بغداد”، وكيف أن باعة الكتب والتحف التذكارية كانوا يفرشون بضاعتهم على أرصفة شارع المتنبي، بين صفوف البنايات التي كانت تملؤها ثقوب طلقات الرصاص ..!

وعندما انتقلت إلى العمل بالجامعة الوطنية كان قد غادرها بروفيسور عراقي كان يعمل أستاذاً بكلية الطب فيها، لكنه بعد مرور بعض الوقت أبلغ الإدارة بقرار عودته إلى بلاده عميداً لكلية الطب بجامعة “الموصل” التي كانت تحتاجه ..!

لقد اجتهد الرجل في تلبية نداء الوطن ولم يستمريء الإقامة في السودان الذي كان آمناً جداً مقارنة بحال العراق التي كانت تشهد توسعاً مقلقاً في رقعة حكم داعش””..!

لكن الدراسة بالجامعات العراقية لم تتوقف، بل أن كل ما فعلته “داعش” – نفسها – عند دخول “الموصل” هو الفصل بين الطالبات والطلاب في مقاعد الدراسة، مع عدم اتخاذ أي قرار بتعطيل الدراسة أو إغلاق الجامعة ..!

حتى في الصومال التي أقلقت “بوكو حرام” منامها – وتدهورت حال الأمن في شوارعها – لم يتم إغلاق الجامعات..!

وقد أخبرني بروفيسور سوداني سافر في تلك الأيام إلى الصومال – ممتحناً خارجياً لطلاب كلية الطب بإحدى الجامعات – أن حادثة مروعة وقعت عشية يوم الامتحان أُزهِقَت فيها أرواح، وعلى الرغم من ذلك لم يتغيَّب طالب واحد عن حضور الامتحان الذي كان موعده قائماً في صباح اليوم التالي..!

هذه المظاهر الموغلة في التعايش مع صعوبة الواقع والزاخرة بصور العزيمة والإنجاز – رغم قسوة الظروف ومرارة الحروب – كانت تثير دهشتنا قبل إعجابنا، ولم نكن نتصور يوماً أن حرباً كهذه الحروب سوف تقع في بلادنا، وأن عزائمنا وأعمالنا سوف تغالب أفعالها وتصارع أهوالها..!

لكن في الوقت الذي كانت فيه مليشيا الدعم السريع تواجه هزيمة جديدة بعد فشل محاولتها استهداف مطار عطبرة – بمُسيَّرات تم التصدي لها وإسقاطها خارج حدود المطار يوم أمس الإثنين – كانت مكاتب الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس “قطاع نهر النيل” بمدينة عطبرة تشهد افتتاح وتشغيل مختبر دمغة المصوغات “المختبر الخاص بفحص الذهب والأحجار الكريمة”..!

وفي الوقت الذي تبجح فيه بعض أعضاء تقدم بقرب قدوم القوات الدولية التي ينتظرون أن تنقلهم إلى السلطة – بالتزامن مع تعويلهم على بعض الجهود التي تبذلها المليشيا لدخول مناطق جديدة – قامت ثمان شركات بتوريد عشرات الكيلوجرامات من سبائك الذهب في” مختبر دمغة المصوغات” بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس..!

الحمد لله على شمس العمل التي لا تزال تشرق كل يوم في بقية مناطق السودان التي لم تتعرض لانتهاكات المليشيا. الحمد لله على صمود الدولة وبقاء المؤسسات وتوالي الإنجازات الباعثة على التقدير!.

munaabuzaid2@gmail.com

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *