i.imam@outlook.com
رُزء المجتمع السوداني داخل بريطانيا وخارجها بوفاة الأخ الصديق أحمد عثمان وقيع الله، رجل الأعمال المقيم في لندن منذ سنين عدداً، يوم الخميس 7 نوفمبر ( تشرين الثاني) 2024، إذ غيبه الموت عن دنيانا الفانية، إلى الدنيا الباقية، في رحيل الفُجاءة. فالموت – فُجاءةً كان أم بعد قضاءٍ مؤجلٍ (مرض)- أدركه سابقاً، ويدركنا لاحقاً، أينما كنا، حتى ولو كنا في بروجٍ مشيدةٍ، مصداقاً لقوله تعالى: “أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا”. وتذكيراً بقول الشاعر العربي خويلد بن محرث بن سعد بن هذيل، المعروف بأبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارهـا
ألفيـت كـل تميمـةٍ لا تنفـعُ
مما لا ريب فيه أن خبر نعي الأخ أحمد عثمان وقيع الله شق تصديقه على الكثير من أصدقائه ومعارفه، لأن بعضهم كان على تواصلٍ معه قبل بضع ساعاتٍ من رحيله، دون أن يشكو من عِلةٍ أو داءٍ! فلا غروَّ أن تسارعت الاتصالات بين بريطانيا والسودان ومصر ودول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن تأكيد النبأ الأليم، وبعضها تمنياً في تكذيب الخبر الحزين! ولما تأكد ثبوت المُصاب الجلل، تسارع أهلوه وأصدقاؤه ومعارفه في بريطانيا، زُمراً وفرادىً، وتبعهم مَنْ قدم من خارج بريطانيا للعزاء، ومشاطرة أهليه وأصدقائه خالص العزاء وصادق المواساة.
على الرغم من أن الموت لم يعد يجزع الكثير من السودانيين هذه الأيام من أنباء الموت، بعد حرب مليشيا الدعم السريع، وتضييقها على المرضى الباحثين عن العلاج سواء داخل السودان أو خارجه، فكثر الموت بين السودانيين داخل السودان وخارجه هذه الأيام! إلا أن موت الفُجاءة حُزنه أوقع، ومُصابه جلل لدى أهل الميت وأصدقائه ومعارفه، وعارفي فضله وإحسانه. فموت الفُجاءة من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، بأن يُصيب الموتُ مفاجأةً من غير إمهالٍ ولا إخطارٍ، وإنما هجوماً تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته. وموت الفُجاءة، وهو موت راحة للمؤمن، كما جاء في مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني وغيره من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: “راحة للمؤمن، وأخذة أسف الفاجر”.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن موت الفُجاءة يُعد من علامات اقتراب الساعة، ودليلهم في ذلكم، حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلاً فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة”.
مما لا ريب فيه، أن فقد الأخ أحمد عثمان وقيع الله كان فقداً عظيماً وحُزناً أليماً، ومُصاباً جللاً، لأهليه وأصدقائه ومعارفه وعارفي فضله وإحسانه داخل بريطانيا وخارجها، لما يتميز به من معشر طيب، ومعاملة حسنة، وصداقة واسعة، وعلاقات متميزة.
وأحسبُ أن الأخ أحمد عثمان وقيع الله، في خدمته للناس، وحُسن تعامله معهم، كان يتمثل في نفسه قول الله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً”، وكذلك قول الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي:
الناس بالناس مادام الحياء بهم
والسعد لا شك تارات وهبات
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تُقضى على يديه للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد
ما دمت مقتدراً فالسعد تارات
وأشكر فضائل صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
عرفتُ الراحل أحمد عثمان وقيع الله منذ تسعينات القرن الماضي في لندن، إبان عملي في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، كان كتوماً في شأنه الخاص، يستشكل على أصدقائه ومعارفه سبر أغواره. وكان يفعل الخير لأهل السودان دون ذكره في مجالسه أو خاصته، وقد علمت ذلكم من أصدقائه المقربين. كم علمت حرصه الكتوم على السُّقيا والإطعام لبعض أهل السودان. فكان الراحل أحمد عثمان وقيع الله من الذين يدركون أن من يفعل الخير لا يعدم جوازيه، تصديقها لقول الله تعالى: “وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا”، وتأكيد لقول أَبُي مُلَيْكَة جُرُولْ بْنْ أَوْسْ بْنْ مَالِكْ المعروف باسم الْحُطَيْئَةِ:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
وكان ودوداً متواضعاً، وكريماً سخياً، واجتماعياً رفيقاً. المعاملة عنده ينبغي أن تكون بحسن الخلق، ولين الجانب، ورقة التعامل. ولا يُعادي أحداً، لأنه كان يعلم أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور، وكأنه في ذلك يستذكر قول الله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ”. وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين، المعروف بالمتنبئ:
ومُراد النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانى
غير أن الفتى يُلاقي المنايا
كالحاتٍ ولا يُلاقي الهوانا
أخلص إلى أن الأخ الراحل أحمد عثمان وقيع الله بهذا التوادد والتراحم، والقول الحسن، لم يكن غريباً أن يتزاحم أهل الصحافة، ورجالات السياسة، وجماعات الثقافة ومجموعات الرياضة، ورموز المجتمع بكافة قطاعاته، في بريطانيا وكثير من زائري لندن من السودانيين إلى مكتبه، ليصيروه منتدى تنداح فيه قضايا السودان بتشعباتها المختلفة وأوجاعها المتعددة!
فلا غروَّ أن تدافع ثُلة من أصدقائه ومعارفه وعارفي فضله وإحسانه، إلى مجلس عزائه، معددين مآثره، وذاكرين مناقبه.
وختاماً أسأل الله تعالى أن يتقبَّل فقيدنا الأخ أحمد عثمان وقيع الله الذي عاش متواضعاً، ورفيقاً، ومحباً، ومحبوباً من أهليه وأصدقائه ومعارفه كافة، قبولاً طيباً حسناً ويلهم ذويه وأهليه وأصدقاءه ومعارفه الصبر والجميل.
“وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّه كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ”.