لهفي على مواطنينا وهم يستجيرون من الرمضاء بالنار. هربوا بجلدهم تاركين خلفهم بيوت اصابها الخراب والدمار فيما ترك بعضهم موتى مضرجين بدمائهم ومفقودين، واستبدلوها بصيانة عرضهم والحفاظ على أرواحهم وأطفالهم وشيوخهم ومن بقى منهم، لاقوا الأهوال وشقوا الصعاب في طريق بحثهم لمكان ومأوى آمن، يجمعهم وذوى قربتهم، يقيهم شر الحرور، واشتداد الصقيع ، وانواء المطر لكن هيهات.
هرب أهلنا من النازحين داخل السودان ممن حرمتهم ظروفهم المغادرة للخارج أسوة بالملايين لكنهم وبدلا من ان يجدوا الرأفة من بنى جلدتهم تنكروا لهم بل استثمروا في أزمتهم دون مراعاة لوضعهم أو الوضع العام، نجو من الرصاص وبطش المليشيا لكنهم اصطدموا بما هو أشد وطأة وبطشا . ثم وبعد جهد جهيد تمكنوا من ايجاد مأوى في مدارس ومرافق وفرتها الولايات الآمنة التى قصدوها، قبلوها والغبطة والسرور لا تسعهم، رغم عدم الخصوصية، والجوع، والتحرش من البعض، والحشرات وغيرها إلا ان كل ذلك بمثابة رحمة لهم من أهوال العاصمة والمناطق التي لحقت بها المليشيا الجائرة.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش أو كما قال وليم شكسبير، فرحلات الصعاب لم تنتهى ولم تتركهم، لينتقلوا بعدها من تمرد المليشيا إلى تمرد الطبيعة في احلك ظرف يمر به المواطن السودانى ومؤشرات تغيير المناخ ترمى بثقلها على العالم لكنها على السودان وأهله انكأ وأمر.
واليوم مشهد أهلنا في ولاية كسلا التى امها عشرات الآلاف من النازحين وهم يخوضون المياه جراء الأمطار الغزيرة التى اجتاحتها وبلعت المنازل ومراكز الايواء، مشهد مثير للشفقة والشجون وهو نفسه مشهدهم عند تنقلهم وهم يجرون شيوخهم ويحملون أطفالهم على الاعناق ولا يدرون إلى مصير سيؤول حالهم أو إلى أي منقلب سينقلبون، وما صاروا إليه قبلها اتى بعد مجهودات ومخاض عسير.
ذات الحال وقع على أهلنا المتحزمين بالصبر ابدا في دارفور و آلاف النازحين بمخيم زمزم بولاية شمال دارفور يعانون من الأمطار التي تهطل بغزارة هذه الأيام، وقد دمرت “الأعشاش” التي يستظلون تحتها، لتضيف معانأة على معاناتهم مع الجوع والمرض ولا ندري كيف هو حال من يعيشون في أحراش إثيوبيا!؟
صحيح انه وفي عام تعانى بعض المناطق بالولايات في فصل الخريف لكن هذه المرة الأمر مختلف و الوضع الإنسانى برمته قاسي في ظل حرب لم تبق ولا تذر على شيء ويحتاج لتضافر جهود أكثر.
نعم التحدى كبير نحتاج من أهلنا في الولايات ان يتوخوا الرأفة مع النازحين والاستثمار في الأزمة لن يبارك الله لهم في مردوده، فلو تواضعوا في الإيجار لاسهموا لحد كبير في حل الأزمة. كذلك على ولاية كسلا ان تفتح جميع ابواب المدارس حتى يجد هؤلاء ما يقيهم شر المطر ولا اعتقد ان فتح المدارس مجد في ظروف مناخية كهذه.
ناشد اليوم شباب كسلا ودعوا المنظمات وفاعلي الخير الى توفير اغطية وغيره فضلا عن مناشدة الجهات المعنية بشفط المياه فليتهم يجدون مجيب.
قطعا التحدى كبير وما سيفرخه تمرد الطبيعة كبير يستدعى تدخل كل المؤسسات.
قبل كل هذا وذاك ليت الحرب تضع أوزارها عاجلا ( كيفما اتفق) ففي ذلك كل الحلول.