إحتفل السودانيون امس بذكري ثورة ٢١ أكتوبر التي اندلعت في العام ١٩٦٤..هذه الثورة عظيمة وكامنه في النفوس ..وتتناقل الأجيال ذكراها و(حبها )عام بعد عام..اذا صادفت أحدهم واسمه قرشي فاعلم انه من مواليد تلك الأيام ومنهم (قرشي ادريس الطاهر ود خالتي فاطمة رحمها الله )…
درج الناس علي الاحتفال بذكري أم الثورات كل عام .لا يتركون الذكري تمر مرور الكرام ..هي ثورة كما وصفها ذات مره الشاعر الفاتح محي الدين بأنها(جهاز المناعة) الذي يلجأ اليه الشعب السوداني عند المحن والخطوب..
اليوم تمر الذكري فأي احتفال سيكون ؟ وعلي اي شكل ؟, ولون ..وطعم .ورائحة. والجسم قد وهن وضعف فماذا الذي يفعله جهاز المناعة هذه المرة…..؟؟
أكتوبر يأتي اليوم بطعم الدم والدموع و كثير من الخوف والقلق وربما اليأس من أي حل يلوح في الأفق للحفاظ علي (وجودية )الدولة السودانيه التي تخرج (عاصمتها ) لأول مرة من (الخدمة الطويلة المستدامة)..
خرجت الخرطوم في ١٩٦٤ ضد الديكتاتورية وضد الشمولية ومع الحرية وقدمت الشهيد احمد القرشي وغني ود الأمين لشهيدنا الأول وما تراجعنا….
والحقيقة بعد كل هذه الحقب تراجعنا …فالخرطوم التي خرجت تهتف بالسلمية و(بأسياف العشر)ويقودمواكبها أصحاب الياقات البيضاء ..لم تعد هي الخرطوم (الجميلة ومستحيلة) ترقد الان مذبوحة علي يد تتار جدد . كأني بالخرطوم في الأحاجي السودانيه القديمة هي (فاطمه السمحه ..تقول لصويحباتها وقد خرجن للخلاء خارج محيط القرية..رأت من بعيد ريح سوداء وفي الأساطير القديمه في هذا النوع من الريح يكمن (الغول)..الغول الغول (اب نومتن سنه وصحيتن سنة ) سرت موجة من التشاؤم وكست وجه فاطمه السمحه وعبرت قائمة (انا خائفه من الجايانا.. وفي ثواني ارتفع صراخ الفتيات الغول شال فاطمة..هي المأساة تتكرر كم صرخت فاطمه من غول الجنجا ايضا لم يسمعها احد ..شالوا فاطمة السمحة وحطموا كل شي…تركوا النيل داميا.والعصافير مذعورة . (اكملوا علي اكمل وجه كل بغيض، ..بكل معايير الجودة (الشيطانية)…
قولوا لي كيف نحتفل باكتوبر اليوم…؟..
قبل قليل شاهدت تسجيلا قديما لواحدة من الاحتفالات بثورة اكتوبر..الفرقة علي المسرح تغني (الملحمة )والجمهور يتجاوب وينتشي وينفعل .وفي لحظة شعورية وإنسانية يتقدم الفنان والموسيقار محمد الأمين ويعانق المرحوم(خليل اسماعيل) وينخرطان في موجة بكاء حارة بمشاركة الراحله (أم بلينا السنوسي)..بكاء حار وصادق يستعيد الذكري والملحمة والشارع ثار وغضب الامه الجبار ولع نار. ..
هل نبكي اليوم..؟..أم نغضب أم نشجب أم ندين. ؟.ماذا نفعل..؟قولوا لي بربكم.؟..ماذا يفعل الناس اليوم ؟والغد ؟ا وبعد غد…؟..
وقف آخر ملوك الأندلس(أبو عبد الله الصغير )يبكي علي تلال غرناطة وعاجلته امه (عائشة الحرة )بكلمات حفظها التاريخ (لا تبكي كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال..
أكتوبر ذكري ووقفة..ومع ذلك لا بأس من بكاء علي اللبن المسكوب .وبعدها البحث عن العبر واستخلاص الدروس من التاريخ لاستشراف المستقبل
أذكر وكنا حينها في صحيفة الاسبوع أيام الديمقراطية الثالثة كلفنا استاذنا حسن محمد الزين وكان وقتها رئيسا لقسم التحقيقات باعداد ملف خاص بذكري اكتوبر..وهي عادة درجت عليها الصحف السودانيه في التوثيق للمناسبات والاعياد المختلفة.. التكليف وقع علي انا والزميلة والصديقة العزيزة الاستاذه سميه سيد.تكونت الخطه الاولي من الملف البحث عن إجابه لسؤال واحد هو (لماذا تفشل ثورات السودان..؟
والجزء الثاني يتطلب منا الذهاب لدار الوثائق السودانية للبحث والتنقيب في صحف ذلك الزمان وكيف غطت احداث أكتوبر…؟
انجزنا مهمتنا الاولي وسط علماء وأساتذة جامعة الخرطوم في العلوم السياسية والتاريخ والاقتصاد..ربما الاجابه التي لن انساها تلك التي جاءت من محاضر في قسم التاريخ (لنجاح الثورة لابد من تحجيم الآمال)
لقد صدق ذلك الاستاذ ..تفشل ثورات السودان بسبب الأحلام الكبيرة التي لا تتوازي مع الواقع. )
وتفشل ثورات السودان بعد نجاحها في إزالة الانظمه الغاشمة بسبب(أطماع ) القادة والنخب واحلامهم الشخصيه والصغيرة و(التافهة)…
المصيبة في كل حقبة( يتقزم) الهم (العام )وتتضخم (الذات)..
في مقاربة سريعة مع الثورات الثلاثة في العهود الوطنية فسنجد العجب. !!
العسكر في أكتوبر( تنازلو ) وعادوا للثكنات مباشرة وسلموا السلطة للشعب ….
. العسكر في أبريل (انحازوا) ولكنهم تريثوا في العودة للثكنات وغادروا بعد عام من المشاركة..مشاركه خفيفه ولكنها رمادية..لم (تجهض) ولكنها (اضعفت) الفترة الانتقالية ووضعت أهداف الثورة في (الثلاجة ),
أما العسكر في (ديسمبر) فقد أصروا علي المشاركة وهذه المره لم تكن رمادية فحسب فقد اجهضت وجاط ت(الحكاية) بشكل غير مسبوق في تاريخ( الانتقالات )
عساكر أكتوبر قالوا احكموا علينا باعمالنا وذهبوا في حال سبيلهم .وعساكر أبريل قالوا (نقعد في القصر ) عام لا يزيد ولا ينقص فالتزموا وكانوا علي كلمتهم..
عساكر ديسمبر قالوا (يافيها او نطفيها ) فعدموها طافي النار…
هي أكتوبر ذكري وعبر..وأجيال .وجيل الساسة اليوم البون شاسع وعظيم بينهم والإسلاف
في أكتوبر تركوا الحكم لجبهة الهيئات ..وفي أبريل للتجمع النقابي ..فكانت الحكومه في العهدين فعلا انتقاليه ومستقله وعارفه (حدودها.)الساسه ذهبوا لقواعدهم وأحياء الليالي السياسية وبناء تنظيماتهم استعدادا للانتخابات
ساسة اليوم نسخه مختلفه…في الافكار والتفكير والكفاءة الا من رحم ربي. اختلط الحابل بالنابل..الناشط بالماشط والحزبي بالحربي دخل هنا التاجر والمرابي والمزازي والمباري والسمسار والجزار والشمشار ..معقوله.؟سياسي شايل بندقيه(ام خشما عفن)؟؟..و (قبيلي مركب مكنة سياسي..؟.ودجال عامل فيها واعظ..هل بهؤلاء سنخرج من هذه الحفرة…؟؟
نعم الصورة قاتمة وحزينه..ومع ذلك يبقي الأمل في الشوارع التي لا تخون..وفي الشعب السوداني(الحي)الذي سيخرج من بين الركام كطائر الفينيق ونغني مجددا مع وردي.و محمد المكي ابراهيم مجددا باسمك الاخضر يا أكتوبر الأرض تغني .. والحقول اشتعلت قمحا
ووعدا وتمني وعلي الله مافي شي بعيد……
اترك رد