عندما كان المجنزرات وعربات الجند المصفحة تمر مر السحاب ، كان هذا الجندى مشغولا بإعداد وجبة طعام الإفطار وعندها كانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية على دور ام درمان التى كانت في بسمة الحزن .
لم تكن وجبة افطار عادية من الطماطم والدكوة ورغيف ساخن ، كانت وجبة تحمل شئ من الشجاعة والكرامة ، كان الجندى يتناولها مع زميله المصاب ويلف قدمه بشاش طبى ولكنه كان ثابتا وساخرا من الإصابة .
تناول الجندى مع زميله وجبة الافطار ثم نهض ليمسك بندقيته ويبدو أنه في طريقه الى معركة حامية .
هذا المشهد من الواقع وكنت شاهدا عليه في شارع الوداى بام درمان في الأيام الماضية ، ولفت نظرى الجندى وهو يقول عبارة مؤثرة جدا ( خلينا نكمل أكلنا احتمال تكون أخر وجبة لينا في الدنيا ) قالها وهو مغادر لمعركة في أزقة ام درمان القديمة .
كان ثابتا وراضيا ، دخلت معه في حوار قال لي في جزء منه ( الناس ديل ما بقدروا يثبتوا معانا لما نواجههم في الميدان كل مرة نلقنهم درس ، اليوم ماشين ليهم وسوف يرون منا بأسا شديدا ) .
تفكرت في كلام الجندى وهو يرمز لكل جنود قواتنا المسلحة في الميدان ، تضحية وفداء وهل هناك أكرم من أن يذهب الجندى في موعد مع الموت ويقدم حياته فداء لتراب الوطن .
ما أعظم جنودنا البواسل وهم في معركة الكرامة يدافعون عن الأرض والعرض ، ما أشرفها من مهمة ، رسائلهم فصيحة تكتب بالدم ويسطرها التاريخ باحرف من نور ، يعيدون ماضي أجدادنا الذين هزموا الباغي .
الشعب السوداني شعب وفي ومعلم وهو يحفظ هذه البطولات لقواته المسلحة وسوف تظل خالدة في الذاكرة الشعبية .
هم أكرم منا جميعا فيهم الشهداء نسال الله أن يتقبلهم أفضل القبول وفيهم الجرحي نسال الله لهم الشفاء العاجل ، وفيهم المجاهدين ( نصر من الله وفتح قريب ) .
وفي المقابل فإن الجنجويد تطاردهم اللعنات ودعوات الصالحين ودعوات المظلومين الذين قتلوا أهلهم وسرقوا أموالهم وانتهكوا اعراضهم ، هناك فرق كبير بين من يذهب في شجاعة وجسارة لموعد مع الموت ليدافع عن العرض والشرف ومن يقاتل لينهب بيوت الناس وينتهك أعراضهم .
اترك رد